بحث حول غيبة المخالف – بقلم الشيخ حسن عبد الله الهودار  

غيبة المخالف

يمكن أن نطرح  في هذا البحث عدة نقاط :

النقطة الأولى : تاريخ المسألة فقهياً

بحسب المراجعة القاصرة لم أجد المسألة منصوصاً عليها بعنوانها  في كتب الأعلام المتقدمين وأول من وقفت على كلام له في الغيبة بالخصوص  هو العلامة الحلي  في التذكرة حيث قال    (( يحرم هجاء المؤمنين والغيبة قال الله تعالى (( ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً )) ويحرم سب المؤمنين والكذب عليهم والنميمة ومدح من يستحق الذم وبالعكس والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة )) ج١٢ ص١٤٣ فقد يستظهر من كلامه  اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن والمقصود بالمؤمن في كلماتهم خصوص الموالي فلا يعم المخالف

ويمكن أن يستفاد من بعض كلمات المتقدمين رأيهم في غيبة المخالف من خلال مسألة شبيهة بهذه المسألة وهي  حرمة هجاء المؤمن حيث صرح بعضهم بحرمة  التكسب بهجاء المؤمنين  و  جواز التكسب بهجاء أهل الضلال كالشيخ الطوسي في النهاية ص٣٦٥

وكذلك سلار ابن عبد العزيز في المراسم العلوية ص١٧٢ حيث خص  حرمة أخذ الأجر بهجاء المؤمنين ولازم  ذلك عدم حرمة أخذ الأجر بهجاء المخالف

ثم جاء  المحقق الحلي في الشرائع ج٢ ص٢٦٤ و خص حرمة الهجاء بالمؤمنين ولازمه عدم حرمة هجاء غيرهم

ومن الواضح أن الهجاء  يستلزم عادةً الغيبة فمن فتواهم  بجواز هجاء أهل الضلال  يستفاد جواز غيبتهم أيضاً فلاحظ

وأما التصريح بجواز غيبة المخالف فلم أقف عليه في كلمات المتقدمين ولو كان لديهم تصريح بذلك لنقله من جرت عادته على استقصاء و تتبع كلماتهم  كصاحب الجواهر  والشيخ الأعظم  إلا أنهما لم ينقلا شيئاً من ذلك مع أن صاحب الجواهر ادعى الضرورة المذهبية على جواز غيبة المخالف حيث قال  (( بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلاً عن القطعيات )) الجواهر ج٢٢ ص٦٢

وأما الشيخ الأعظم فقال (( وتوهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم وعدم جريان أحكام الإسلام عليهم إلا قليلاً )) المكاسب ج١ ص٣١٩

وكيف كان فقد ذهب المقدس الأردبيلي إلى حرمة غيبة المخالف  كما في مجمع الفائدة والبرهان ج٨ ص ٧٨

ثم  أخذ الذين  جاءوا من بعده  ببحث  المسألة ومناقشته كصاحب الحدائق  ج ١٨ ص ١٣٠-١٤١ والذي أطال في البحث حتى قال صاحب الجواهر معترضا عليه في إطالته    (( وبالجملة طول الكلام في ذلك كما فعله في الحدائق من تضييع العمر  في الواضحات  )) الجواهر ج٢٢ ص ٦٣

وكذلك  أخذ  آخرون بالرد على المقدس المذكور كصاحب  الجواهر حتى قال (( أن مقتضى التقدس والورع خلاف ذلك )) ج٢٢ ص٦٢ يعني مقتضى التقدس والورع الإفتاء  بغيبة المخالف لا عدم غيبته

وهكذا  صاحب الرياض  ج٨ ص١٦٣ وصاحب مستند الشيعة ج١٤ ص١٦٢-١٦٣  وغيرهم فلاحظ

النقطة الثانية  : الأقوال في المسألة

توجد عدة أقوال في المسألة يمكن أن نجمعها في ثلاثة أقوال وهي :

القول الأول : الجواز مطلقاً

ذهب المشهور  إلى جواز غيبة المخالف مطلقاً من دون تفصيل  بل قد ادعي على ذلك الإجماع كما حكاه في الجواهر عن البعض  (( فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم )) ج٢٢ ص٦٢

وهذا ما اختاره جمع من المحققين  كصاحب الرياض  حيث قال (( فيجوز غيبة المخالف ولا ريب فيه للأصل وظاهر النصوص ..)) ج٨ ص١٦٢

وهكذا المحقق  النراقي قال (( فتجوز غيبة المخالف )) مستند الشيعة ج١٤ ص ١٦٢

والشيخ الأعظم  (( فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه )) المكاسب ج١ ص٣١٩

والسيد الخميني (( إن الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن )) المكاسب المحرمة ج١ ص٢٤٩

والسيد الخوئي (( وقد حكي عن المحقق الأردبيلي تحريم غيبة المخالفين ولكنه لم يأت بشيء تركن إليه النفس )) مصباح الفقاهة ج١ ص٤٩٨  وغيرهم

القول الثاني : الحرمة مطلقاً

ذهب  المقدس الأردبيلي إلى عدم جواز غيبة المخالف ولم يفصل في ذلك حيث قال (( عموم أدلة الغيبة وخصوص ذكر المسلم يدل على التحريم مطلقاً وأن عرض المسلم كدمه وماله فكما لا يجوز أخذ مال المخالف وقتله لا يجوز تناول عرضه الذي هو الغيبة ))  مجمع الفائدة والبرهان ج٨ ص٧٨

ويظهر من المحقق السبزواري في كفاية الأحكام ج١ ص٤٣٦ موافقته حيث نقل كلامه ولم يعترض عليه فلاحظ

القول الثالث : التفصيل

وهذا القول ذهب إليه البعض على اختلاف في هذا التفصيل  وأهم ما وقفت عليه في هذا التفصيل ما يلي :

التفصيل الأول : جواز الغيبة في الدين لا غير

ذهب الشهيد الأول  بحسب مانقله عنه  المحقق الأردبيلي  إلى جواز غيبة المخالف فيما يرتبط بدينه خاصة ولا يجوز في غير ذلك  ولذا يقول المقدس  (( وأظن أني رأيت في قواعد الشهيد ره أنه يجوز غيبة المخالف من حيث مذهبه ودينه الباطل وكونه فاسقاً من تلك الجهة لا غير مثل أن يقال أعمى ونحوه )) مجمع الفائدة ج٨ ص٧٨

التفصيل الثاني : جواز غيبة الناصب دون المستضعف

يظهر من بعض كلمات المحدث البحراني أن جواز الغيبة خاص بالناصب دون المستضعف وهذا ما يتضح عند ملاحظة مجموع كلامه كما في ج١٨ ص١٤٠ فلاحظ وتأمل

التفصيل الثالث : جواز غيبة المقصر دون القاصر

ذهب بعض الأعلام إلى جواز غيبة المخالف المقصر دون القاصر  وهذا ما اختاره البهبهاني في مصابيح الظلام ج٩ ص ٣٢  واختاره من المعاصرين الشيخ التبريزي  ولذا قال
(( لا ينبغي التأمل والريب في جواز اغتياب المخالف وسائر فرق الشيعة فيما إذا كان خلافهم أو مخالفتهم الحق بنحو التقصير ولو بتركهم الفحص عن الحق ))  إرشاد الطالب ج١ ص٣٦٣

النقطة الثالثة : أدلة جواز غيبة المخالف

سوف نقتصر على ذكر الأدلة المستدل بها على جواز غيبة المخالف  و منه يتضح الدليل على الأقوال الأخرى ثم بعد  ذلك نذكر النتيجة المتحصلة من مجموع هذه الأدلة إن شاء الله تعالى

فنقول  ومنه سبحانه العون والمدد :
اعلم  بأنه ذكرت مجموعة من الأدلة  على جواز غيبة المخالف والعمدة منها ما يلي :

الدليل الأول : كفر المخالف

وحاصله  في ثلاث مقدمات   :

المقدمة الأولى  : اختصاص الحرمة بالمسلم

يمكن القول بأن  موضوع حرمة الغيبة هو المسلم خاصة   وذلك بأحد تصويرات ثلاثة   :

التصوير الأول : الخطاب

إن الظاهر من  الخطاب في الآية المباركة  الدالة على حرمة الغيبة  وكذلك الروايات هو اختصاص الحرمة بالمسلم  وهذا ما يتضح بالنظر لأمور ثلاثة  :

الأمر الأول :
( يا أيها الذين آمنوا ) الحجرات (١٢) حيث  إن الخطاب  في صدر الآية جاء بلفظ الذين آمنوا وهذا دال على عدم شموله للكافر

الأمر الثاني  :
إن الإيمان في الآية المباركة ليس بمعنى الولاية بل  معناه الإعتقاد و التسليم القلبي بالإسلام  كما يشهد لذلك قوله تعالى (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )) الحجرات (١٤)  فالإيمان هو الإقرار والتسليم القلبي لا الولاية
خصوصاً وأن الولاية لم تفترض على المسلمين بعد

الأمر الثالث :
ذيل الآية فكما  أن الخطاب في صدر الآية  خاص بالمؤمنين  فإنه في ذيلها كذلك فلاحظ  قوله سبحانه  (( ولا يغتب بعضكم بعضاً ))  الحجرات ( ١٢ ) حيث إن ضمير الخطاب المصاحب لميم الجمع يعود لنفس الذين آمنوا وهم المسلمون  وهذا معناه أن حرمة الغيبة قد تعلقت بغيبة المسلم للمسلم الآخر  فلا حرمة في غيبة الكافر

التصوير الثاني  : الأخوة

إن موضوع الحرمة في الآية المباركة  وكذلك الروايات هو الأخ  كما قال سبحانه وتعالى  (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً )) الحجرات (١٢)

ومن الواضح أن الكافر ليس أخاً  للمسلم وإنما الأخوة بين المسلمين خاصة كما دلت على ذلك  الآية المباركة الأخرى (( إنما المؤمنون إخوة ))  الحجرات (١٠)  حيث حصرت   الأخوة  بين المسلمين

فيستفاد من مجموع هاتين الآيتين وبضم إحداهما للأخرى  أن حرمة الغيبة تختص بالمسلم

التصوير الثالث   : مناسبة الحكم للموضوع

بما أن  الملاك في تشريع حرمة الغيبة  هو  حفظ كرامة الغير  ومراعاة حرمته  وعدم الإعتداء  على حقه فهذا يدل على أن الحرمة خاصة بمن كان له حرمة وكرامة ومن الواضح  بحسب النصوص الكثيرة أن الكافر  ليس له
ذلك فبمناسبة الحكم للموضوع تختص حرمة الغيبة  بمن كان له حرمة وكرامة في الإسلام وليس هو إلا المسلم

والمتحصل من جميع هذه التصويرات أن حرمة الغيبة خاصة بالمسلم ولا تعم الكافر

المقدمة الثانية  : المخالف كافر

دلت النصوص المستفيضة  كما يقول  المحدث البحراني في الحدائق  ج١٨ ص١٣٢ وغيره  على كفر المخالف وإليك بعض الأخبار التي قد يستدل  بها على كفر المخالف :

١- في الزيارة الجامعة (( ومن جحدكم كافر ))
العيون ج١ ص٣٠٧

٢- في الزيارة الجامعة (( ومن وحده قبل عنكم ))
العيون ج١ ص ٣٠٨

فإنه ينتج بعكس النقيض كما يقول السيد الخوئي  (( أن من لم يقبل عنكم لم يوحده بل هو مشرك بالله العظيم )) مصباح الفقاهة ص٤٩٧

٣- معتبرة الحسين بن نعيم الصحاف  قال (( سألت أباعبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل  (( فمنكم كافر ومنكم مؤمن )) فقال عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق في صلب آدم  عليه السلام وهم ذر )) الكافي ج١ ص٤١٣

٤- عن أبي حمزة  سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول  إن علياً عليه السلام باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى لي فيهم المشيئة )) الكافي ج١ ص٤٣٧

في السند  معلى بن محمد و لم تثبت وثاقته

٥- عن  أبي سلمة عن أبي عبد الله  عليه السلام (( … من عرفنا كان مؤمناً ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء ))  الكافي ج١ ص ١٨٧

في السند  أبو سلمة وصالح بن السندي ولم تثبت وثاقتهما

٦- عن  الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام (( إن الله عزوجل نصب علياً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالاً ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ومن جاء بولايته دخل الجنة )) الكافي ج١ ص ٤٣٧

في السند  معلى بن محمد ومحمد بن جمهور ولم تثبت وثاقتهما لو لم نقل بثبوت الضعف في محمد بن جمهور

٧- عن أبي مالك الجهني قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من ادعى إماماً ليست إمامته من الله تعالى ومن جحد إماماً إمامته من عند الله تعالى ومن زعم أن لهما في الإسلام نصيباً )) الخصال ص١٠٦

في السند علي بن إسماعيل الأشعري ولم تثبت وثاقته

والمستفاد من هذه النصوص المستفيضة الحكم بكفر المخالف لعدم إيمانه بالولاية

المقدمة الثالثة  : إخراج المخالف من أدلة حرمة الغيبة

بناءً على ما تقدم من كفر المخالف يكون المخالف  خارجاً عن موضوع  الأدلة الدالة على حرمة الغيبة كالآية المباركة  والروايات لأن موضوعها هو المسلم والمخالف ليس بمسلم فلا تحرم غيبته وأما عن كيفية خروجه  فيمكن  تقريبه  بأحد وجهين :

الوجه الأول : الخروج بالورود

بأن يقال بأن موضوع الحرمة هو المسلم  وهذه  النصوص المستفيضة الدالة على كفر المخالف تدل على أنه  ليس مسلماً أصلاً   وبناءً على ذلك  تدل هذه النصوص  على خروج المخالف من موضوع الحرمة حقيقةً ووجداناً وأن  دليل حرمة الغيبة لا يشمله  من الأساس

الوجه الثاني : الخروج بالحكومة

بأن يقال  إن  دليل حرمة الغيبة  وإن كان في نفسه وبعنوانه الأولي شاملاً للمخالف لكونه مسلماً  إلا أن  هذه النصوص الدالة  على كفره تخرجه من موضوع الحرمة بالتعبد  فتكون قد ضيقت  موضوع  الحرمة وهو المسلم وأخرجت المخالف منه بالحكومة التضيقية حيث جعلته ليس بمسلم

والنتيجة :
عدم شمول دليل حرمة الغيبة للمخالف لأنه كافر

وإليك كلمات بعض المستدلين بهذا الدليل :

١- المحدث البحراني
(( وأوضحنا كفر المخالفين غير المستضعفين ونصبهم وشركهم بالأخبار المتكاثرة التي لا معارض لها في البين وأنه ليس إطلاق المسلم عليهم إلا من قبيل إطلاقه على الخوارج وأمثالهم من منتحلي الإسلام ))  الحدائق ج ١٨ ص ١٣

٢- الشيخ النجفي
(( فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك لإتحاد الكفر الإسلامي والإيماني فيه ))  الجواهر ج٢٢ ص٦٢

٣- المحقق النراقي
(( وتؤكده النصوص المتواترة الواردة عنهم في طعنهم ولعنهم وتكفيرهم وأنهم شر من اليهود والنصارى وأنجس من الكلاب )) مستند الشيعة  ج١٤ ص١٦٣

٤- السيد الخوئي (( بل لا شبهة في كفرهم لأن إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم والإعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة )) مصباح الفقاهة ص٤٩٧

ويلاحظ عليه بأنه يمكن المناقشة في المقدمة الثانية والثالثة   :

أما المناقشة في المقدمة الثانية  وهي أن المخالف كافر فبالتالي  :

أولاً  :

إن الظاهر من أغلب هذه الروايات المذكورة أن الحكم بالكفر ليس لكل مخالف  بل  لخصوص المخالف الجاحد كما في رواية رقم ١ و ٧  أو  المخالف المنكر كما في  رواية رقم ٥ و٦
وعنوان الجحود والإنكار ظاهران في خصوص من علم بالحق  ورفضه عناداً واستكباراً  فهو الذي يقال له جاحد أو منكر كما يستفاد ذلك من بعض الآيات من قبيل  :

١-  قوله  تعالى  (( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين )) النمل (١٤)

٢- قوله  تعالى (( يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون )) النحل (٨٣)

إذاً فلا يتم الإستدلال بهذا الصنف من الأخبار على كفر المخالف مالم يكن جاحداً أو منكراً  وذلك لأن المخالف الجاهل جهلاً بسيطاً أو مركباً لا يقال له عرفاً جاحداً  أو منكراً ولا أقل من الشك في الصدق العرفي فلا يصح التمسك بهذه الأخبار لإثبات كفر المخالف  والحال هذه  فغاية هذه الأخبار أن موضوعها الجاحد أو المنكر

ويشهد على عدم كفر المخالف بشكل مطلق أن نفس هذه الأخبار المذكورة كالخبر رقم ٤،٥،٦ جعلت بعض المخالفين جهالاً ضلالاً  في قبال الكفار مما يؤكد على عدم كون كل مخالف كافراً

وثانياً :

لو سلمنا بأن هذه الروايات شاملة لكل مخالف فمع ذلك لا دليل على أن المقصود بالكفر في هذه النصوص  هو الكفر المقابل للإسلام  فإن هناك عدة معاني للكفر وردت  في لسان الآيات والروايات بشكل كثير بحيث لا يكون  الكفر بمعنى الجحود أسرع تبادراً وانسباقاً منها فتحديد  أن المراد من الكفر في هذه الروايات هو أي معنى من هذه المعاني يحتاج للقرينة  وإليك  بعض معاني  الكفر بحسب ما جاء في النصوص :

الأول : كفر الجحود

١- (( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )) البقرة (٦)

٢- (( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ))
البقرة (٨٩)

٣- معتبرة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال (( من شك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه واله فهو كافر )) الكافي ج٢ص٣٨٦

٤- معتبرة محمد بن مسلم قال (( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول كل شيء يجره الإقرار والتسليم فهو الإيمان وكل شيء يجره الإنكار والجحود فهو الكفر ))

فالكفر في هذه الموارد استعمل بمعنى الجحود  وهو الذي يكون صاحبه خارجاً عن  الإسلام

الثاني  : كفر الإيمان

١- (( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين )) المائدة (٥)

٢- معتبرة عبيد بن زرارة قال : (( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله فقال من ترك العمل الذي أقر به قلت فما موضع ترك العمل حتى يدعيه أجمع ؟ قال منه الذي يدع الصلاة متعمداً لا من سكر ولا من علة )) الكافي ج٢ ص ٣٨٧

فهنا جاء الكفر في مقابل الإيمان لا الإسلام وهو يطلق على ترك  الإنسان العمل بما أقر به كما يستفاد ذلك من المعتبرة

الثالث  : كفر ترك الأمر

١- (( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض )) البقرة (٨٤)

٢- (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين )) الحج ( ٩٧)

٣- (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين )) المائدة ( ٦٧)

٤- معتبرة عبيد بن زرارة قال : (( سألت أبا عبد الله عليه السلام فإن تارك الصلاة كافر يعني من غير علة )) الكافي ج٢ ص٢٧٩

٥- معتبرة العمركي قال قلت للرضا عليه السلام (( إن ابن داود يذكر إنك قلت له شارب الخمر كافر قال صدق قد قلت له )) ثواب الأعمال ص٢٤٥

ففي هذه الموارد اطلق  الكفر بمعنى ترك ما الزم به الله تعالى

الرابع   : كفر النعم

١- (( لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ))
إبراهيم (٧)

٢- (( ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم )) النمل (٤٠)

٣- (( فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ))
البقرة (١٥٢)

ففي هذه الموارد استعمل الكفر بمعنى عدم الشكر وجحود النعمة

الخامس  : كفر البراءة

١- (( كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده )) الممتحنة (٤)

٢- (( إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً )) العنكبوت (٢٥)

فهنا استعمل الكفر بمعنى التبري والمقاطعة

وبعد بيان  هذه المعاني للكفر نقول إن الكفر الذي يوجب الخروج عن الإسلام هو الكفر بالمعنى الأول وهو كفر الجحود وأما على المعاني الأخرى فلا يوجب  الكفر الخروج من الإسلام بل يمكن اجتماعه مع الإسلام

فإذا اتضح ذلك نقول لا شاهد على أن الكفر في هذه الروايات  المذكورة بمعنى كفر الجحود  إذ من  المحتمل أن يكون بمعنى كفر الإيمان أو كفر ترك الأمر وهما لا يتنافيان مع ثبوت الإسلام فالمخالف كافر إيماناً أو كافر عملاً ومع ذلك هو مسلم فيكون بالتالي  داخلاً في موضوع حرمة الغيبة ويشهد لذلك قرينة المقابلة في هذه الروايات حيث قابلت بين الكفر والإيمان وليس بين الكفر والإسلام كما أشار لذلك السيد الإمام في كتاب الطهارة ج٣ ص٣٢٠

وثالثاً    :
على فرض أن المراد من هذه الأخبار مطلق المخالف وعلى فرض أن المراد بالكفر هو المعنى الأول المقابل للإسلام   فمع ذلك نقول بأن هذه الأخبار معارضة بأخبار أخرى دلت على إسلام كل من نطق بالشهادتين  وهي كثيرة جداً منها :

١- صحيح حمران بن أعين عن الباقر عليه السلام (( سمعته يقول الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عزوجل وصدقه العمل بالطاعة والتسليم لأمره والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلى الإيمان …)) الكافي ج٢ ص ٢٦

٢- الصحيح إلى سفيان بن السمط (( سأل رجل أبا عبد الله عن الإسلام والإيمان وما الفرق بينهما … فقال الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما. ضالاً )) الكافي ج٢ ص ٢٤

إذاً فلا يمكن الأخذ بالروايات الدالة على الكفر وإهمال هذه الروايات الدالة على الإسلام بل لابد من المعالجة

ورابعاً    :

بعد فرض تحقق المعارضة بين الأخبار الدالة على كفر المخالف والدالة على اسلامه فلابد من طريق للجمع العرفي بينها ويمكن أن تذكر عدة طرق  للجمع  منها :

الطريق الأول  : تطبيق أحكام الإسلام

أن يؤخذ بظاهر الروايات الدالة على الكفر وتحمل الروايات الدالة على الإسلام على تطبيق أحكام الإسلام في مثل هذه الموارد وهي حقن الدماء والأعراض والأموال والمواريث والطهارة من أجل المصلحة الإسلامية وهذا ما اختاره البعض كصاحب الحدائق

الطريق الثاني    : اختلاف العوالم

أن يقال بأن هذه الأخبار ناظرة إلى اختلاف العوالم فالروايات الدالة على الكفر تحمل على الآخرة والروايات الدالة على الإسلام تحمل على الدنيا فيقال بأن المخالفين كفار الآخرة مسلموا الدنيا
وهذا ما اختاره السيد الحكيم (( وأما ماورد في كفر الناصب والغالي فالظاهر منه الكفر بلحاظ الآثار الأخروية نظير ماورد في كفر المخالف …)) نهج الفقاهة ص٣١٨

وهذا ما ذكره  السيد الخوئي أيضاً
(( وإن كانوا في الحقيقة كافرين وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة )) الطهارة ج٢ ص ٨٧

الطريق الثالث   : تعدد مراتب الإسلام

أن يقال بأن مقتضى الجمع العرفي هو حمل هذه الروايات على اختلاف المرتبة بين الواقع والظاهر فما دل على الكفر محمول على الواقع ومادل على الإسلام  فهو محمول على الظاهر فالمخالف كافر واقعاً مسلم ظاهراً وهذا ما ذكره السيد الخوئي (( فلا مناص معه عن الحكم بإسلام أهل الخلاف وحمل الكفر في الأخبار المتقدمة على الكفر الواقعي وإن كانوا محكومين بالإسلام ظاهراً )) الطهارة ج٢ ص ٨٥

ويشهد لهذا الجمع  بعض النصوص الدالة على أن للإسلام مرتبتين ظاهر وواقع
أما ما يدل على مرتبة الظاهر فمن قبيل  موثقة سماعة عن الصادق عليه السلام (( الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه واله وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس )) الكافي ج٢ ص ٢٥

وأما ما يدل  على الواقع  وهو الإسلام المقرون بالولاية فمن قبيل قوله تعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) المائدة (٣)

وقول الإمام الباقر عليه السلام  (( بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية )) الكافي ج٢ ص ١٨

الطريق الرابع   : تعدد مراتب الكفر

أن تحمل هذه الروايات على اختلاف مراتب الكفر بأن يقال بأن للكفر عدة معاني ومراتب كما قد ذكرنا ذلك في الجواب الثاني   فتحمل روايات الكفر على بعض معاني الكفر فيكون المخالف مسلماً ولكنه كافر ببعض معاني الكفر وبمرتبة من مراتبه فيكون معنى الكفر  هو عدم الإيمان لا عدم الإسلام وهذا الجمع صرح به جمع من المحققين :

١- الشيخ النجفي
(( فلعل ما ورد في الأخبار الكثيرة من تكفير منكر علي عليه السلام لأنه العلم الذي نصبه الله بينه وبين عباده وأنه باب من أبواب الجنة من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً وتكفير منكر مطلق الإمام وإن من لم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية محمول على إرادة الكفار في مقابل المؤمن بالمعنى الثاني )) الجواهر ج٦ ص ٦٠

٢- الشيخ الأعظم
(( فإطلاق الكفر عليهم بإعتبار إرادة ما يقابل الإيمان لا ما يقابل الإسلام الذي لا خلاف في نجاسته وإن أظهر الإسلام وانتحله إذا جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة كالنواصب ومنهم الخوارج وكالغلاة بلا خلاف في نجاسته )) الطهارة ج ٢ ص ٢٥٤

٣- السيد الإمام
(( فلابد من حملها إما على التنزيل في الأحكام الباطنة كالثواب في الآخرة كما صرحت به رواية الصيرفي أو على بعض المراتب التي هي غير مربوطة بالأحكام الظاهرة وأما الحمل على أنهم كفار حقيقة لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهراً ولو من باب المصالح العالية وعدم التفرقة بين جماعات المسلمين فغير وجيه )) الطهارة ج٣ ص٣٢٣

٤- السيد الخوئي  على سبيل الإحتمال
(( أو على الكفر في مقابل الإيمان إلا أن الأول أظهر إذ الإسلام بني على الولاية )) الطهارة ج٢ ص ٨٥

وأحسن هذه الجموع  الثالث والرابع لوجود ما يشهد لهما من النصوص بخلاف الأوليين فهما أقرب إلى الجمع التبرعي فلاحظ

وعلى أي حال  بأي  جمع أخذنا  من هذه الجموع المذكورة فالنتيجة واحدة وهي أن المخالف مشمول لأدلة حرمة الغيبة إما لجريان أحكام الإسلام عليه كما هو مقتضى الجمع الأول

أو لأنه مسلم في الدنيا كافر في الآخرة كما هو مقتضى الجمع الثاني فتشمله الأدلة لأنها لمن حكم بإسلامه في الدنيا كما هو الظاهر

أو لأنه محكوم بالإسلام ظاهراً وإن كان كافراً واقعاً  كما هو مقتضى الجمع الثالث وموضوع حرمة الغيبة هو الإسلام الظاهري لا الواقعي إذ لا دليل على الثاني

أو لأنه مسلم وإن لم يكن مؤمناً كما هو مقتضى الجمع الرابع وموضوع حرمة الغيبة هو المسلم لا خصوص المؤمن  فتشمله الأدلة

وخامساً   :

على فرض استقرار المعارضة  بين الروايات وعدم إمكان الجمع العرفي فيها فلابد من الرجوع إلى مرجحات باب التعارض وبناءً على الترتيب في المرجحات وأن أول  المرجحات  هو موافقة الكتاب  كما هو التحقيق وفاقاً للسيد الخوئي والشهيد الصدر اعتماداً على مصحح عبد الرحمان بن أبي عبدالله الدال على أن أول المرجحات موافقة الكتاب  (( خلافاً لصاحب الكفاية الذي ذهب لعدم الترتيب بين المرجحات وخلافاً للشيخ الأعظم الذاهب لتقديم المرجح الصدوري على المرجح المضموني والجهتي وخلافاً للوحيد البهبهاني والرشتي الذاهبين  لتقديم المرجح الجهتي على غيره ))

نقول إن الظاهر  من الآيات القرانية أنها اعتبرت من أقر بالتوحيد والنبوة مسلماً أو مؤمناً من دون اشتراط ذلك بالولاية من قبيل :

١- قوله تعالى (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم )) الحجرات (١٤)

٢- قوله تعالى (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون )) الحجرات (١٥)

والنتيجة ترجيح الروايات الدالة على الإسلام على الروايات الدالة على الكفر لموافقتها للكتاب

إن قلت :

بأن ترجيح الروايات الدالة على الإسلام فرع حجيتها وهي غير ثابتة ومع عدم ثبوت حجيتها يكون العمل على الروايات الدالة على الكفر والسر في عدم حجية الروايات الدالة على الإسلام  هو أحد وجهين :

الوجه الأول : الشهرة الروائية لروايات الكفر

أن روايات الكفر هي الأشهر روايةً والشهرة الروائية من المميزات كما هو مبنى جمع كالسيد الخوئي والسيد الصدر وهي أسبق رتبةً من المرجحات فلا تصل النوبة للمرجحات وبالتالي تكون الحجية للأشهر روايةً وهي روايات الكفر فتسقط روايات الإسلام عن الحجية

الوجه الثاني : الشهرة العملية لروايات الكفر

أن روايات الكفر هي المعمول بها لدى المشهور كما قال في الحدائق ج٥ ص ١٥٨  وأما روايات الإسلام فمعرض عنها فالشهرة العملية بصالح روايات الكفر وبالتالي تسقط روايات الإسلام عن الحجية بإعراض المشهور عنها فلا تصل النوبة لبحث المرجحات مع عدم حجيتها

قلت :
أما بالنسبة للوجه الأول فلو لم نقل بالعكس وأن الروايات الدالة على الإسلام هي الأشهر روايةً كما ادعى الشيخ الأعظم ذلك فلا أقل من التساوي أو عدم إحراز أشهرية روايات الكفر على روايات الإسلام

وأما بالنسبة للوجه الثاني فعلى فرض ثبوت قيام الشهرة العملية على العمل بروايات الكفر إلا أنه لم يثبت إعراض المشهور عن روايات الإسلام بل  غايته أنه أعمل قواعد الجمع العرفي  بين الروايات فذهب بعضهم للجمع الأول الذي ذكرناه سابقاً ولكنه موطن للمناقشة كما ذكرنا ذلك

وسادساً   :

لو تنازلنا عن جميع ما تقدم إلا أنه لا إشكال في لزوم التفصيل  بين كون المخالف مستضعفاً وغيره
وأما إطلاق الحكم بجواز غيبة المخالف مطلقاً كما هو القول الأول فممنوع وذلك لوضوح عدم كفر المستضعف كما دلت الأخبار على ذلك وصرح بذلك الأعلام حتى أنه قد وردت أحكام خاصة للمستضعف منها  :

الأول : الصلاة على  المستضعف

إن الميت الذي تجب الصلاة عليه تارة يكون موالياً وأخرى يكون ناصباً وأخرى يكون مستضعفاً فإن كان موالياً فيكبر عليه خمس تكبيرات  ويدعى له عقيب الرابعة
وإن كان ناصباً فيكبر عليه أربع تكبيرات ويدعى عليه عقيب الرابع وإن كان مستضعفاً فيكبر عليه أربعاً و لا يدعى له ولا عليه عقيب الرابعة بل يقال (( اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ))

ولذا جاء في معتبرة الفضيل عن الباقر عليه السلام (( إذا صليت على المؤمن فادع  له واجتهد له في الدعاء وإن كان واقفاً مستضعفاً فكبر وقل اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم )) الكافي ج٣ص١٨٧

الثاني : الزكاة على المستضعف

إن الزكاة الواجبة لا تكون إلا لأهل الولاية ولا تعطى للناصب وأما المستضعف فتدفع له الزكاة مع فقد الموالي

الثالث : طهارة سؤر المستضعف

إن سؤر المستضعف محكوم بالطهارة بخلاف سؤر الناصب ولذا قال ابن إدريس
(( فسور بني آدم على ثلاثة أضرب سور مؤمن ومن حكمه حكم المؤمن وسؤر مستضعف ومن حكمه حكم المستضعف وسؤر كافر ومن حكمه حكم الكافر فالأول والثاني طاهر مطهر والثالث نجس منجس )) السرائر ج١ ص٨٤

وأما معنى المستضعف فقد اختلفت فيه كلمات الأعلام إلى عدة معاني :

المعنى الأول :
هو الذي لا يعرف اختلاف الناس ولا يبغض أهل الحق ولا يوالي أحداً بعينه فلابد من اجتماع هذه الشروط الثلاثة لتحقق عنوان المستضعف وهذا ما اختاره جمع من الأعلام :

١- ابن إدريس

(( والمستضعف من لا يعرف اختلاف الناس في الآراء والمذاهب ولا يبغض أهل الحق بل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء )) السرائر ج١ ص ٨٤

٢- الشهيد الأولى
(( المستضعف وهو الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحداً بعينه )) الذكرى ص ٥٩

المعنى الثاني :
هو الذي لا يعرف اختلاف الناس ولا يبغض أهل الحق حتى لو والى أحداً بعينه فيكفي في تحقق عنوان المستضعف وجود الشرطين الأولين  ولو لم يتحقق الشرط الثالث وهو عدم الموالاة لأحد بعينه

١- الكركي
(( المستضعف من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم )) رسائل الكركي ص ٣٤٠

المعنى الثالث :
هو القاصر عن الوصول  إلى الحق ولا يعانده

١- الخوئي
(( المستضعف وهو الذي لا يعاند الإسلام والحق وإنما لم يلتزم لقصور فيه بحيث لو بين له الحق لقبله وهذا يتفق كثيراً في العجزة والنساء وعامة القاصرين )) الطهارة ج٩ ص ٨٨

٢-الحكيم السبط
(( تجب الصلاة على المؤمن كما تجب على المستضعف الواقف وهو الذي لا يجحد الولاية ولا يقر بها  ولو لعدم التفاته لها )) منهاج الصالحين ج١ ص٩٣

المعنى الرابع :
وهو الذي يوالي أهل البيت ولكن  يتوقف عن البراءة من عدوهم  وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد
قال السيد العاملي
(( وحكى عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراء والتفسيرات متقاربة )) مدارك الأحكام ج٤ ص ١٨٠

المعنى الخامس :
هو الذي لا ينصب كما ذكر ذلك ابن فهد الحلي
((  ما المستضعف الذي يجوز دفع الزكاة إليه مع عدم العارف ؟ والذي يكره نكاحه هل هو الذي لم يعرف ؟ الجواب المستضعف قسمان فالمستضعف من العامة فسروه بالذي لا ينصب وبعضهم فسروه بالذي لا يعرف اختلاف الناس في العقائد وفي الحديث المستضعف من النساء اللاتي لا يعرفن ما أنتم عليه ولا ينصبن  ومن الشيعة من يوالي ال محمد ويتبرأ من عدوهم ولا يعرف أسماءهم وترتيبهم )) الرسائل العشر ص ٣٩٧

والذي يبدو لي من خلال بعض الأخبار هو أن المستضعف القاصر عن معرفة الحق سواءً علم بإختلاف الناس أم لا وسواءً والى أهل الباطل أم لا كما هو المستفاد من
معتبرة زرارة عن الباقر عليه السلام (( المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً قال لا يستطيعون حيلةً إلى الإيمان ولا يكفرون من الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء )) الكافي ج٢ ص٤٠٤

إن قلت :
بأن هناك بعض الأخبار التي دلت على أن من عرف اختلاف الناس فليس مستضعفاً وبناءً على ذلك يكون جميع المخالفين ليسوا مستضعفين لأنه لم يبقى أحد بعد اليوم لم يصله الخلاف فمن هذه الأخبار :

١-  معتبرة أبي بصير عن الصادق عليه السلام (( من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف )) الكافي ج٢ ص٤٠٥

٢-  عن أبي سارة عن الصادق عليه السلام (( ليس اليوم مستضعف أبلغ الرجال الرجال والنساء النساء )) الكافي ج٢ ص٤٠٧

٣- عن سفيان بن السمط (( قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في المستضعفين فقال لي شبيهاً بالفزع فتركتم أحداً يكون مستضعفاً وأين المستضعفون ؟ فوالله لقد مني بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طريق المدينة )) الكافي ج٢ ص٤٠٤

قلت  :
من الواضح  بأن عنوان  العلم  والبلوغ مأخوذ على نحو الطريقية للوصول للحق والواقع وليس على نحو الموضوعية فإن مجرد العلم بالخلاف لا يكفي لخروج المخالف عن كونه مستضعفاً كما يستفاد من معتبرة زرارة وبناءً على ذلك  نقول بأنه توجد عدة حالات للمخالف :

الحالة الأولى :
من  علم بالخلاف ولم يبحث عن الحق وهذا لا يقال له مستضعفاً فتشمله هذه الروايات الثلاث

الحالة الثانية :
من علم بالخلاف وبحث وبذل جهده  في ذلك إلا أنه لم يصل للحق  لقصور فيه وهذا يصدق عليه أنه مستضعف
وهذا لا تشمله الروايات الثلاث وإنما هو داخل في معتبرة زرارة

الحالة الثالثة :
من علم بالخلاف ولكنه لم يبحث لقصور فيه فهو مستضعف وهذا لا تشمله الروايات الثلاث وإنما تشمله معتبرة زرارة

وبذلك يتم التوفيق بين هذه الأخبار ومعتبرة زرارة  فتدبر جيداً

وأما المناقشة  في المقدمة الثالثة  وهي  خروج المخالف عن أدلة حرمة الغيبة بالورود أو الحكومة  فبتالي :

أولاً :
إذا صح لنا أن نخرج المخالف عن موضوع الآية المباركة بهذه الأخبار فينبغي أن نخرجه أيضاً عن موضوع جميع الآيات التي جاءت بعنوان المسلم أو المؤمن فيكون المخالف خارجاً بالورود أو الحكومة منها   فيلزم اختصاص جميع الآيات التي وردت بهذا العنوان بأهل الولاية وهذا كما ترى لا يمكن الإلتزام به فلاحظ هذه الآيات مثلاً هل يمكن الإلتزام بعدم شمولها للمخالفين ؟

١- (( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) البقرة (١٥٣)

٢- (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم )) البقرة (١٧٨)

٣- (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة (١٨٣)

٤- (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين )) البقرة (٢٧٨)

٥- (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً )) النساء (٢٩)

إن قلت :

لا مانع من الإلتزام  بخروج المخالفين عن هذه الآيات إلا أن شمول الأحكام لهم كشمولها للكافر يرجع  لقاعدة الإشتراك أو للإجماع أو غير ذلك من الوجوه المذكورة وليس مبنياً على شمول الخطاب لهم في هذه الآيات

قلت :

يكفي في رد هذه الدعوى أن  الأعلام لا يستدلون  على تكليف المخالفين بما استدلوا به على تكليف الكفار بالفروع كما أنهم لم يستدلوا على ذلك بالإشتراك أو الإجماع وإنما بظاهر الخطابات و أنها شاملة  لكل من نطق بالشهادتين فلاحظ وتأمل

وثانياً :
أن الأعلام خالفوا هذا الكلام في مواطن  منها :

١-    بيع العبد المسلم  على المخالف

فقد أفتوا بجواز بيع العبد المسلم على المخالف مع أنه لا يجوز بيع العبد المسلم على الكافر فلو كان المخالف كافراً لم يجز بيع العبد المسلم عليه كما هو مقتضى  الآية التي استدلوا بها على عدم جواز بيع العبد المسلم للكافر و هي قوله سبحانه  (( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ))  النساء (١٤١) فإنها تشمل المخالف بناءً على القول بكفره فلو كان كافراً فلماذا أفتوا بجواز البيع عليه ؟؟
ولو كان العبد المخالف كافراً فلماذا منعوا من بيعه على الكافر أيضاً ؟؟

ولذلك يقول الشيخ الأعظم ((  والمؤمن في زمان نزول آية نفي السبيل لم يرد به إلا المقر بالشهادتين ونفيه عن الأعراب الذين قالوا آمنا بقوله تعالى ( ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) إنما كان لعدم اعتقادهم بما أقروا فالمراد بالإسلام هنا أن يسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن … والحاصل أن الإسلام والإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد وأما مادل على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية فهو لا يقاوم بظاهره لما دل على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم من التناكح والتوارث وحقن الدماء وعصمة الأموال وأن الإسلام ما عليه جمهور الناس ))
المكاسب ج٣ ص ٥٩١

وقال السيد الخوئي (( وأما المخالف فليس بكافر قطعاً فلا يشمله حكمه فيجوز بيع العبد المسلم منهم لإقرارهم بالشهادتين ظاهراً وباطناً وأما ما دل على كفرهم فلا يراد بظاهرها فقد قلنا في أبحاث الطهارة إن المراد من الكفر ترتب حكمه عليه في الآخرة وعدم معاملة المسلم معهم فيها بل يعاقبون كالكافر ولا يثاب بأعمالهم الخيرية الصادرة منهم في الدنيا كالصلاة وغيرها )) مصباح الفقاهة ج٢ ص ٣٥٢

٢-  الدية في قتل المخالف خطئاً

فقد أفتوا بلزوم دفع الدية لمن قتل مسلماً خطئاً ولم يفصلوا بين كون  المقتول إمامياً أم مخالفاً مع أن الآية التي  دلت على دفع الدية واردة في قتل المؤمن (( ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا )) النساء (٩٢) والمخالف بحسب الدعوى كافر فلماذا تجب الدية في قتله ؟؟؟

وثالثاً :
بالنسبة لخروج المخالف بالورود  فيمكن المناقشة فيه
بأننا أمام احتمالات ثلاثة :

الإحتمال الأول
أن يلتزم بأن الآيات القرانية ومنها آية الغيبة كانت وقت نزولها شاملة لكل المسلمين بما فيهم المخالف

وفيه :
إن لازمه عدم الخروج بالورود  وذلك لشمول الخطاب للجميع بما فيه المخالف فكيف يكون خارجاً بالورود فهذا خلف

الإحتمال الثاني :
أن يلتزم  بأنها خاصة بأهل الولاية ولا تشمل المخالفين من الأصل

وفيه :
إن لازمه عدم شمول هذه الخطابات القرانية لأحد وقت نزولها لعدم افتراض الولاية بعد أو يقال باختصاصها بالفرد النادر وهم الذين أقروا بالولاية كسلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وغيرهم وهذا لم يقل به أحد

الإحتمال الثالث :
أن يلتزم بأنها كانت شاملة لجميع المسلمين في زمن الخطاب والمشافهة ولكن بعد افتراض الولاية اختصت بالمؤمن بالولاية ولا تشمل من أنكر الولاية

وفيه :
أنه وإن كان في نفسه وجيهاً ولكنه غير متعين مضافاً إلى أن دخالة الولاية في الإيمان وليس في الإسلام كماهو المستفاد من مجموع الأدلة والإيمان في القران بمعنى الإسلام كما سيأتي فارتقب

ورابعاً :

بالنسبة لخروج المخالف بالحكومة  فيمكن المناقشة فيه بأنه  إما أن يكون المقصود بالكفر في هذه الأخبار
الكفر المقابل للإسلام  و هو كفر الجحود وبالتالي سوف  تكون هذه الأخبار مخالفة للكتاب الدال على ثبوت الإسلام أو الإيمان في حق كل من آمن بالله تعالى والنبي صلى الله عليه واله بشكل يأبى عن التخصيص فلا تصلح بالتالي  هذه الأخبار للتخصيص أو الحكومة بل تكون مخالفة للكتاب فتطرح  لأن ما خالف الكتاب مردود وزخرف

وإما أن يكون المقصود بالكفر في هذه الأخبار هو الكفر بأحد المعاني الأخرى للكفر ككفر الإيمان مثلاً  وبالتالي لا معنى للتخصيص بالحكومة لأن الكفر المقابل للإيمان لا يتنافى مع الإسلام وموضوع حرمة الغيبة بحسب هذا الدليل هو المسلم والكافر بالإيمان لا يخرج عن كونه مسلماً

والمتحصل من جميع ما تقدم عدم تمامية هذا الدليل لإثبات جواز غيبة المخالف

الدليل الثاني : عدم إيمان المخالف

وحاصله في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى : موضوع حرمة الغيبة ( المؤمن )

إن الظاهر من أدلة  تحريم الغيبة هو أن موضوع الحرمة خصوص المؤمن ويشهد لذلك أحد أمور :

الأمر الأول : الخطاب
مقتضى صدر الآية (( يا أيها الذين آمنوا )) الحجرات (١٢) هو اختصاص المؤمنين بهذا الخطاب

الأمر الثاني : الأخوة بين المؤمنين
إن حرمة الغيبة موضوعها الأخ  والأخوة إنما تكون بين المؤمنين كما قد دلت  على ذلك الآية الأخرى ( إنما المؤمنون إخوة ) الحجرات (١٠)

الأمر الثالث : الروايات
ورد في لسان مجموعة من الروايات عنوان المؤمن منها :

١-  عن علقمة عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله (( من اغتاب مؤمناً بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة ومن اغتاب مؤمناً بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب خالداً في النار وبئس المصير )) أمالي الصدوق ص١٦٢

٢- عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال (( قال النبي صلى الله عليه واله من اغتاب مؤمناً غازياً أو آذاه أو خلفه في أهله بسوء نصب له يوم القيامة فيستغرق حسناته ثم يركس في النار إذا كان الغازي في طاعة الله تعالى )) الكافي ج٥ ص٨

والمتحصل من هذه المقدمة أن حرمة الغيبة خاصة بالمؤمن

المقدمة الثانية : المخالف ليس بمؤمن

يمكن القول بأنه حتى لو سلمنا بأن المخالف مسلماً وليس بكافر إلا أنه ليس بمؤمن لأن الإيمان خاص بأهل الولاية كما قد دلت على ذلك  جملة من  الأخبار وإليك منها  :

١- عن سفيان بن السمط قال (( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما …. فقال الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ضالاً )) الكافي ج٢ ص٢٤

٢- عن الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام (( إن الله عزوجل نصب علياً عليه السلام علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالاً ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ومن جاء بولايته دخل الجنة )) الكافي ج١ ص ٤٣٧

٣- عن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول (( إن علياً عليه السلام باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى لي فيهم المشيئة )) الكافي ج١ ص ٤٣٧

والمتحصل من هذه الروايات عدم كون المخالف مؤمناً

المقدمة الثالثة : خروج المخالف عن موضوع الحرمة

بعدما اتضح بأن موضوع حرمة الغيبة خصوص المؤمن وأن المخالف ليس بمؤمن نقول بأن المخالف خارج عن موضوع الحرمة وأما عن كيفية خروجه فيمكن تقريبه بالورود أو بالحكومة  وذلك بأن يقال :
إن لفظ الإيمان في آية الغيبة ووالروايات  وإن كان شاملاً لعموم المسلمين المقرين بالإسلام قبل افتراض الولاية ولكن بعد افتراض الولاية صارت الولاية شرطاً وركناً في الإيمان فيكون غير المقر بها خارجاً عن موضوع حرمة الغيبة وهو الإيمان خروجاً حقيقياً وجدانياً أو خروجاً تعبدياً

وإليك نص عبارة السيد الإمام في ذلك :
(( وأما ثانياً فلأن الإيمان كان قبل نصب رسول الله صلى الله عليه واله علياً عليه السلام للولاية عبارة عن التصديق بالله ورسوله ولم يكن قبل نصبه أو قبل وفاته على احتمال مورد تكليف الناس ومن الأركان المتوقف على الإعتقاد بها الإيمان لعدم الموضوع له وأما  بعد نصبه أو بعد وفاته صلى الله عليه واله صارت الولاية والإمامة من أركانه فقوله تعالى إنما المؤمنون إخوة هو جعل الأخوة بين المؤمنين الواقعيين غاية الأمر أن في زمان رسول الله صلى الله عليه واله كان غير المنافق مؤمناً واقعاً لإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه واله وبعد ذلك كان المؤمن الواقعي من قبل الولاية وصدقها أيضاً فيكون خطاب يا أيها المؤمنون متوجهاً إلى المؤمنين الواقعين وإن اختلفت أركانه بحسب الأزمان من غير أن يكون الخطاب من أول الأمر متوجهاً إلى الشيعة حتى يستبعد سيما إذا كان المراد بالمؤمن الشيعة الإمامية الإثني عشرية )) المكاسب المحرمة ج١ ص٢٥٠

والنتيجة : جواز غيبة المخالف
وإليك كلمات بعض الأعلام الذين ذكروا هذا الدليل

١-  السيد الطباطبائي
(( ودعوى الإيمان والأخوة في المخالف مما يقطع بفساده )) رياض المسائل ج٨ ص١٦٣

٢- النراقي
(( أن صريح جماعة التخصيص بالمؤمن بل نفى بعضهم الريب عنه فتجوز غيبة المخالف )) مستند الشيعة ج١٤ ص١٦٢

٣-  الشيخ الأعظم
(( ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف )) المكاسب المحرمة ج١ ص٣١٩

٤-  السيد الخوئي
(( الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط )) مصباح الفقاهة ج١ ص ٤٩٨

ويلاحظ عليه :

أولاً :
بالنقض حيث يلزم ورود هذا الكلام في جميع الآيات القرانية التي أخذ في موضوعها الإيمان فنقول بأنها لا تشمل المخالف لعدم كونه مؤمناً  فهل يمكن القول  بأن الخطابات في الآيات التي أخذ في موضوعها المؤمن بأنها خاصة بالموالين ؟ أو يقال بالتفصيل و أنها في زمن الرسول صلى الله عليه واله كانت شاملة ً لعموم المسلمين وبعد وفاته صلى الله عليه واله صارت خاصةً بالموالين لإفتراض الولاية  ؟؟؟ فلاحظ هذه الآيات وتأمل :

١- (( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين )) البقرة (١٥٣)

٢- (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم )) البقرة (١٧٨)

٣- (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة (١٨٣)

٤- (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين )) البقرة (٢٧٨)

٥- (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً )) النساء (٢٩)

فهل يسعنا القول بأن هذه الآيات كانت شاملةً لكل الصحابة قبل افتراض الولاية ثم بعد افتراض الولاية تختص بمن أقر بها ويخرج عنها من جحد الولاية  لعدم كونه مؤمناً واقعاً  ؟؟؟

وثانياً :

إن الإيمان في القران الكريم  بمعنى الإسلام وليس بمعنى الولاية غاية الأمر أن الإيمان يستوجب الإقرار القلبي بالشهادتين وأما الإسلام فهو مجرد الإقرار اللساني بهما كما أشارت الآية المباركة لذلك (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم )) الحجرات (١٤)

كما يستفاد ذلك من صحيحة جميل أيضاً (( …. جعلت فداك أرأيت ما ندب الله عز وجل إليه المؤمنين من قوله (يا أيها الذين آمنوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم )) الكافي ج2 ص412

وهذا ما صرح به  بعض الأعلام كالسيد الخوئي  : (( إن المراد من الإيمان في القران غير ما هو المراد به في الأخبار وفي الإصطلاح وأن المؤمن في القرآن معنى أعم )) مصباح الفقاهة ج٣ ص ٣٥٤

وبناءً على ذلك فالمخالف مادام مقراً بقلبه  بالشهادتين فهو مؤمن وداخل في موضوع الآية الدالة على حرمة الغيبة

وثالثاً  :

لا شك ولا ريب بأنه بعد افتراض الولاية للأمير عليه السلام صار للولاية دخالة وركنية في الإيمان كما يستفاد ذلك من الأخبار إلا أن الكلام في حقيقة هذا الإيمان الذي صارت الولاية مقومةً له وركناً فيه فهل هو نفس الإيمان المذكور في القران الكريم كما يظهر من كلام السيد الإمام فبالتالي  من لم يقر بالولاية لا يكون مؤمناً بحسب المصطلح القرآني  أو أنه معنى آخر حديثي  كما يظهر من كلام السيد الخوئي وبناءً على ذلك يكون المخالف مؤمناً بحسب المصطلح القرآني وليس مؤمناً بحسب المصطلح الحديثي  ؟

والظاهر هو تمامية أفاده السيد الخوئي فلا يظهر من الروايات أنها تتحدث عن نفس معنى الإيمان المذكور في الكتاب بل تضيف معنى  آخر  للإيمان

إن قلت :

إن قولكم بأن الإيمان في الروايات يختلف عن الإيمان في القران  يستوجب مخالفة الأئمة عليهم السلام لما ذكره الله تعالى من معنى الإيمان وهم أجل من ذلك وهذا الإشكال ذكره السيد الإمام :
(( أما أولاً فلأن الأئمة لا يقولون بما لا يقول به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله كما هو من أصول المذهب وتدل عليه الروايات فلا يكون الإيمان عند الله ورسوله صلى الله عليه واله غير ما عند الأئمة ع )) المكاسب المحرمة ج١ ص٢٥٠

قلت :
لاشك ولا ريب بأن الأئمة عليهم السلام لا يخالفون كلام الله تعالى ونبيه صلى الله عليه واله ولكنهم  قد يبينوا حكماً شرعياً أو معنىً لحكم شرعي لم يتصدى القران ولا النبي صلى الله عليه واله لبيانه لمصلحة ولو كانت مصلحة التدرج في بيان الشريعة فما يبينه الأئمة عليهم السلام  هو إخبار عن لوح التشريع الواقعي راجع  لله تعالى ونبيه صلى الله عليه واله  وبالتالي لا يكون هذا المعنى الحديثي للإيمان مخالفاً لما ذكره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله بل هو راجع لله تعالى ونبيه صلى الله عليه واله ومأخوذ عنهما

ورابعاً :
إن  المستفاد من الأخبار أن هناك عدة معاني أو درجات للإيمان وكما في الرواية عن  عبد العزيز القراطيسي قال قال لي أبو عبدالله عليه السلام (( يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة فلا يقولن صاحب الإثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشر فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره فإن من كسر مؤمناً فعليه جبره )) الكافي ج٢ ص ٤٥

ويمكن أن نذكر بعض هذه المعاني :

المعنى الأول : الإذعان القلبي

وهذا ما يستفاد من بعض الأخبار كما في معتبرة الفضيل بن يسار قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام إن الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ماعليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان )) الكافي ج٢ ص ٢٦

المعنى الثاني : الإذعان القلبي مع العمل

وهذا ما يمكن استفادته كما في معتبرة حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال (( سمعته يقول الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عزوجل وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره …)) الكافي ج٢ ص٢٦

المعنى الثالث : الولاية

وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض الأخبار من قبيل
سفيان بن السمط قال (( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما …. فقال الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام وقال الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ضالاً )) الكافي ج٢ ص٢٤

المعنى الرابعة  : القوة الرادعة للإنسان من الذنوب

وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض الأخبار كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (( إن للقلب أذنين فإذا هم العبد بذنب قال له روح الإيمان لا تفعل وقال  له الشيطان افعل وإذا كان على بطنها نزع منه روح الإيمان )) الكافي ج٢ ص٢٦٧

المعنى الخامس : درجة للخواص

وهذا المعنى يمكن استفادته من بعض الأخبار من قبيل
معتبرة عبد الله بن سنان (( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرج ذلك من الإسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع ؟ فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب وإن كان معترفاً أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول )) الكافي ج٢ ص ٢٨٥

ورواية نعمان الرازي قال (( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من زنى خرج من الإيمان ومن شرب الخمر خرج من الإيمان ومن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً خرج من الإيمان )) الكافي ج٢ ص ٢٧٧

إذا اتضح ذلك نقول بأن المعنى الذي أخذ في موضوع حرمة الغيبة ظاهراً هو المعنى الأول فحتى لو قلنا المخالف ليس مؤمناً ببقية المعاني المذكورة إلا أنه مؤمن بالمعنى الأول وهذا كاف في حرمة غيبته فلاحظ

ولذلك يمكن التأمل في ما ذكره السيد الخوئي حيث قال بان موضوع حرمة الغيبة المؤمن ولكنه حمله على المؤمن  بالولاية وهو مصطلح حديثي عنده وليس مصطلحاً قرآنياً مع أنه كان المناسب حمل المؤمن في القران على الإسلام كما هو مبناه فلاحظ وتأمل

وخامساً   :
كما أن هناك أخباراً دلت على أن موضوع حرمة الغيبة هو المؤمن  فإن المستفاد من جملة من الأخبار لا يبعد دعوى استفاضتها دلت على  أن موضوع حرمة الغيبة  مطلق المسلم  وهذا خلاف  القول بأن الحرمة خاصة بالمؤمن  فمن جملة هذه الأخبار :

١- عن النبي صلى الله عليه واله (( من اغتاب مسلماً أو مسلمةً لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين صباحاً إلا أن يغفر له صاحبه )) المستدرك ج٩ ص ١٢٢

٢- عن النبي صلى الله عليه واله (( إن الغيبة حرام على كل مسلم )) البحار ج٧٥ ص ٢٥٧

٣- عن النبي صلى الله عليه واله (( إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم  من ستة وثلاثين زنية وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم )) المستدرك ج٩ ص١١٩

إن قلت :
بأن هذه الروايات مطلقة فتقيد بالروايات الواردة في حرمة غيبة المؤمن كما قال السيد الخوئي
(( على أن الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط فتكون هذه الروايات مقيدة للمطلقات فافهم )) مصباح الفقاهة ج١ ص٤٩٨

قلت :

أولاً
إن التقييد فرع التعارض ولا تعارض بين المثبتين فلا مانع من الإلتزام بأن موضوع الحرمة مطلق المسلم والمؤمن ذكر من باب التأكييد ليس أكثر ولذلك لا يخلو ما ذكره السيد الخوئي من التأمل

وثانياً :
على فرض وقوع التعارض بين المثبتات فمع ذلك نقول بأن  التقييد فرع  وقوع التنافي في موضوع الحكم وهذا غير متحقق لأنه بعدما ذكرنا  بأن المخالف يصدق عليه أنه مؤمن ببعض المعاني كالمعنى الأول فلا تعارض لأن المخالف  يصدق عليه أنه مسلم ومؤمن بمعنى الإذعان القلبي  وإن لم يصدق عليه أنه مؤمن بمعنى الإيمان بالولاية فلاحظ

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل الثالث  : عدم أخوة المخالف

ويمكن تقريب هذا الدليل في مقدمات أربع   :

المقدمة الأولى : موضوع الحرمة الأخ

إن المستفاد من النصوص الدالة على حرمة الغيبة هو أن موضوع حرمة الغيبة هو الأخ  كما نصت الآية المباركة على ذلك (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً )) الحجرات (١٢) فمن كان أخاً  هو الذي لا تجوز غيبته

المقدمة الثانية : معنى الأخوة

إن المراد بالأخوة في الآية المباركة هو الأخوة الدينية التي جعلها الإسلام بين المؤمنين كما دلت الآية الأخرى على ذلك  ((إنما المؤمنون إخوة )) الحجرات ( ١٠)

المقدمة الثالثة : مقاطعة المخالف

إن  المستفاد من النصوص الكثيرة  لزوم  مقاطعة المخالف والبراءة منه ولعنه ومباهتته والوقيعة فيه  و يمكن تقسيم هذه النصوص إلى طوائف :

الطائفة الأولى : ما دل على عدم المحبة

قوله  تعالى
١-   (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )) الممتحنة (١)

٢- قوله تعالى
(( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )) المجادلة (٢٢)

الطائفة الثانية : مادل على البغض

١- عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (( كل من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له )) الكافي ج٢ ص ١٢٧

لم تثبت وثاقة محمد بن عمران السبيعي

٢- عن النبي صلى الله عليه واله (( …. قال ذات يوم لبعض أصحابه يا عبد الله أحبب في الله وأبغض في الله ووال في الله وعاد في الله فإنه لا ينال ولاية الله إلا بذلك ولا تجد برجل طعم الإيمان وإن كثر صلاته وصيامه حتى يكون كذلك فقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون وعليها يتباغضون وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً فقال له فكيف لي علم أني قد واليت وعاديت في الله عزوجل فمن ولي الله حتى أواليه ومن عدوا الله حتى أعاديه فأشار له النبي صلى الله عليه واله إلى علي عليه السلام فقال أترى هذا ؟ فقال بلى قال ولي هذا ولي الله فواله وعدو هذا عدو الله فعاده فوال ولي هذا ولو كان قاتل أبيك وولدك وعاد عدو هذا ولو كان أباك وولدك )) تفسير الإمام العسكري ص٤٩

الطائفة الثالثة : ما دل على البراءة

عن عمرو بن مدرك عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه واله لأصحابه (( أي عرى الإيمان أوثق ؟ فقالوا الله ورسوله أعلم وقال بعضهم الصلاة وقال بعضهم الزكاة وقال بعضهم الصيام وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد فقال رسول الله صلى الله عليه واله لكل ما قلتم فضل وليس به ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله )) الكافي ج٢ ص١٠٢

الطائفة الرابعة : ما دل على لعنه والمباهتة والوقيعة

صحيح داود بن سرحان (( قال رسول الله ص إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة )) الكافي ج٢ ص٣٧٥

الطائفة الخامسة  : ما دل على أن المخالف ليس شريكاً في الدين

ومن هذا القبيل صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر ع يقول: اعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء… الكافي ج1 ص184

الطائفة السادسة  : ما دل على أن المخالف عدو

ومن هذا القبيل صحيحة إسماعيل الجعفي قال ﻷبي جعفر ع رجل يحب أمير المؤمنين ع ولا يتبرأ من عدوه ويقول هو أحب إلي ممن خالفة قال هو مخلط وهو عدو فلا تصل وراءه ولا كرامة إلا أت تتقيه. الفقيه ج1 ص380

المقدمة الرابعة : مناسبة الحكم للموضوع

من خلال ما تقدم يتضح بحسب مناسبة الحكم للموضوع أنه لا أخوة بيننا وبين المخالفين لأنه لا تنسجم الأخوة مع مع الأمر بالمعاداة والمقاطعة واللعن والمباهتة والوقيعة

والنتيجة :
جواز غيبة المخالف لعدم كونه أخاً

وإليك كلمات بعض المستدلين بهذا الدليل :

١- المحدث البحراني
(( وإذا كان الله عزوجل نهى أهل الإيمان عن ولا يتهم ومحبتهم فكيف يجوز الحكم في الآية المشار إليها بإخوتهم ؟ وما هذا إلا سهو واضح من هذا التحرير ..)) الحدائق  ج١٨ ص١٣٦

٢- الشيخ النجفي
(( ومعلوم أن الله تعالى  عقد الأخوة بين المؤمنين بقوله تعالى ( إنما المؤمون إخوة ) دون غيرهم وكيف يتصور الأخوة بين المؤمن والمخالف بعد تواتر الروايات وتظافر الآيات في وجوب معاداتهم والبرائة منهم وحينئذ فلفظ الناس والمسلم يجب إرادة المؤمن منهما كما عبر به في أربعة أخبار ))  الجواهر ج٢٢ ص ٦٢-٦٣

٣- الشيخ الأعظم
(( التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت أخوته فلا يعم من وجب التبري عنه )) المكاسب ج١ ص٣١٩

٤- النراقي
(( ويؤيده اختصاص أكثر الأخبار الواردة في طرقنا بالمؤمن أو الأخ في الدين ودعوى الإيمان والأخوة للمخالف مما يقطع بفساده )) مستند الشيعة ج١٤ ص١٦٣

٥-  السيد الخوئي
(( أن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن ومن البديهي أنه لا أخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين وهذا هو المراد أيضاً من مطلقات أخبار الغيبة لا من جهة حمل المطلق على المقيد لعدم التنافي بينهما بل لأجل مناسبة الحكم والموضوع )) مصباح الفقاهة ج١  ص ٤٩٨

ويلاحظ عليه :

أولاً :
إن  لازم ذلك أن لايكون الواقفية والفطحية والإسماعلية والزيدية إخوةً لنا لوجود الأدلة على معاداتهم والبراءة منهم والوقيعة فيهم ولا يختص ذلك بالمخالف مع أن كلمات كثير وليس الكل خالية من هذا الإستثناء فينبغي التصريح  بتعميم القول بجواز غيبة كل من ليس إمامياً اثنا عشرياً لا التنصيص على خصوص المخالف

بل قد يقال لازم  هذا الدليل  خروج الشيعي الفاسق عن الإخوة أيضاً لوجود بعض الأدلة كأدلة المعروف والمنكر على مقاطعته وتجنبه فتأمل

وثانياً  :
يمكن القول بأن مجرد الأمر بالمقاطعة والبراءة لايدل بالإلتزام على نفي الأخوة كما أن الأمر بالتواصل والإحسان لا يدل التزاماً على ثبوت الأخوة  ولذا فقد أمر الشارع بالبر والإحسان مع أهل الكتاب ومع ذلك لم تثبت  الأخوة بيننا وبينهم   كما في قوله تعالى (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )) الممتحنة (٨)

وهنا  يمكن أن يقال كذلك فإن  مجرد الأمر بالبراءة والمعاداة ليس له دلالة واضحة على نفي  الأخوة  إذ غاية مفاد هذه الأدلة هو التحذير من هؤلاء لضلالهم وانحرافهم عن  مذهب الحق

ولو سلمنا بأن الأمر باللعن والمقاطعة والبراءة يدل بالإلتزام
على نفي الأخوة  كما هو ليس بعزيز  فمع ذلك يمكن القول بأن للأخوة مراتب فالمنفي بالإلتزام الأخوة الإيمانية بالمعنى الأخص لأنها خاصة بأهل الولاية وهذا لا يمنع  من ثبوت الأخوة بملاك آخر كملاك حفظ بيضة الدين وهذه هي الأخوة  الإسلامية التي وردت في بعض الأخبار من قبيل :

١- معتبرة الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه )) الكافي ج٢ ص١٦٧

٢- معتبرة أبي المغرا عن الصادق عليه السلام (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الإجتناد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكون كما أمركم الله عزوجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على مامضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه واله )) الكافي ج٢ ص١٧٤

٣- عن الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (( المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه )) الكافي ج٢ ص١٦٦

وثالثاً :
لو تنازلنا عما سبق فمع ذلك نقول لا ظهور في هذه الروايات الدالة على التبري والمقاطعة واللعن على أنها شاملة لكل مخالف  بل الظاهر منها هو من كان عدواً لله تعالى أو من كان من أهل البدع والفتن وهذا في الحقيقة لا يعم كل المخالفين  فبعضهم محب لأولياء الله تعالى إلا أنه لم يقل بإمامتهم لقصور فيه أو لتقصير منه مثلاً
فلا يحرز شمول مثل هذه الأدلة للمستضعف والقاصر  أو من لا يروج لدينه ولا يدعو لباطله  أو من كان طالباً للحقيقة وباحثاً عن الحق مثلاً  وإنما موردها الناصبي ومن علم الحق وجحده وروج للباطل فهو الذي يصدق عليه أنه عدو لأولياء الله تعالى وأنه من أهل البدع

ورابعاً :
على فرض التنزل عما مضى والقول بشمول الروايات لكل مخالف وقبول هذه الملازمة المذكورة عرفاً فمع ذلك يقال بأنه كما أن لدينا روايات تدعو للبراءة والمقاطعة واللعن والوقيعة فإن عندنا نصوص أخرى  كثيرة ومعتبرة في مقابل ذلك  تأمر بالتواصل والإحسان  مع  المخالفين  حتى نقل في الحدائق ثلاثة وثلاثين روايةً منها كما في الجزء ١١ ص ٧١- ٧٨ من قبيل :

١- صحيح زيد الشحام عن الصادق عليه السلام (( .. صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور وقيل هذا أدب جعفر وإذا كان على غير ذلك دخل علي بلاؤه وعاره وقيل هذا أدب جعفر )) الكافي ج٢ ص ٦٣٦

٢- صحيح معاوية بن وهب (( قلت له كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا ممن ليسوا على أمرنا ؟ قال تنظرون إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فو الله إنهم ليعودون مرضاهم ويشهدون جنائزهم ويقيمون الشهادة لهم وعليهم ويؤدون الأمانة إليهم )) الكافي ج٢ ص ٦٣٦

والغرض أنه لابد من ملاحظة هذه الأخبار ومعالجتها لا أن يقصر النظر على روايات القطيعة فيقال بأنه من خلال مناسبة الحكم للموضوع ينتفي موضوع الأخوة  بيننا وبين المخالف وذلك لأنه لو لاحظنا الأخبار الآمرة بالتواصل والإحسان لوجدناها تتناسب مع الأخوة بيننا وبين المخالفين إذاً فكيف التوفيق بين هذه الأخبار ؟ وبأيها نأخذ وماهو المرجع بعد تساقطها جميعاً ؟

وخامساً :
بعد فرض التعارض بين هذين النوعين من النصوص يمكن أن تذكر بعض الوجوه للجمع بينها :

الطريق الأول  :
أن يقال بأن الطائفة الآمرة  بالمقاطعة والبراءة واردة لمن كان في مندوحة ولم يكن في ظرف التقية وأما الآمرة بالتواصل والإحسان واردة لمن لم يكن في مندوحة وكان في ظرف التقية

وفيه :
أنه لا يتناسب مع هذه الإطلاقات الكثيرة  حيث لا تقييد فيها لفرض وجود المندوحة وعدمها ولذا قال السيدالخوئي :
(( وفي بعض الكلمات أن الأخبار الآمرة بالصلاة معهم وحضور مجالسهم مختصة بصورة خوف الضرر على تقدير تركها إلا أن سبر الروايات الواردة في هذا الباب المروية في الوسائل في أبواب مختلفة كباب العشرة من كتاب الحج وفي كتاب الأمر بالمعروف وكتاب الأيمان يشهد بعدم تمامية هذا المدعى لإطلاقاتها وعدم كونها مقيدة بصورة الخوف على تقدير تركها )) الطهارة ج٤ ص٣١٨

الطريق الثاني :
أن يقال بأن الأدلة الدالة على البراءة  والمقاطعة والوقيعة واردة لبيان الحكم بالعنوان الأولي  فالحكم الأولي في حق المؤمن هو مقاطعة المخالف والتبري منه ولعنه
وأما الأدلة الدالة على التواصل والإحسان والبر فإنها واردة لبيان الحكم بالعنوان الثانوي ولأجل المصلحة العامة للدين أو المذهب وهذا ما يظهر من المحدث البحراني اختياره  قال  (( والغرض من ذلك كله هو تأليف القلوب واجتماعها لدفع الضرر والطعن على المذهب وأهله )) الحدائق الناضرة ج١١ ص٧٩

وفيه :
أنه يحتاج إلى شاهد وقرينة

الطريق الثالث  :
أن يقال بأن  أدلة التواصل والإحسان مطلقة وأدلة  البراءة والمعاداة  مقيدة بمن كان عدواً لأولياء الله تعالى ومن كان من أهل البدع فتحمل على النواصب  ومن روج للباطل والبدع لا عموم المخالف

الطريق الرابع  :
أن  يقال بأن لكل طائفة مورد مختلف عن الآخر فالأخبار الدالة على المقاطعة والبراءة والوقيعة ناظرة إلى جانب المعتقد فقط فمن حيث المعتقد يلزم البراءة والمقاطعة لمعتقد المخالف ولعنه  وأما  الأخبار الآمرة بالإحسان والبر فهي ناظرة إلى الجانب العملي فيما يرتبط بالجانب الفقهي  فالإحسان والبر يكون في جانب الصلاة معهم و عيادة مرضاهم وشهود جنائزهم وأداء الأمانة لهم

ولا يبعد تمامية الجمع الثالث أو الرابع فلاحظ

وسادساً  :
على فرض استحكام التعارض كما لو ادعي بأن هذه الجموع المذكورة غير عرفية أو أن النسبة بين الأدلة المتعارضة التباين الكلي أو الجزئي  فعندئذ نرجع  إلى مرجحات باب التعارض والترجيح بصالح ما  دل على المواصلة والإحسان لأنها موافقة للكتاب الدال على الأخوة بين عموم المسلمين كما في  عدة آيات من قبيل :

١- قوله تعالى (( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخريكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )) الحجرات (١٠)

والمقصود بالمؤمنين في الآية كما أشرنا المسلمين كما يشهد لذلك الواقعة التي نزلت فيها الآية وهي الإختلاف الواقع بين الأوس والخزرج ومع ذلك عبرت الآية عنهم بالمؤمنين مع عدم افتراض الولاية بعد

٢- قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم )) البقرة (١٧٨)

٣- قوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم )) الحجرات (١٣)

وسابعاً :
على فرض عدم الترجيح بالكتاب لعدم انطباق ذلك على الآية في المقام فتتساقط الطائفتان والمرجع بعد ذلك أيضاً  عموم ما دل على الأخوة وعموم ما دل على حرمة الغيبة
(( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه )) الحجرات (١٢)

وثامناً :
على فرض وقوع الشك في إخوة المخالف أم لا على نحو الشبهة المفهومية فنقول بأن لدينا علماً   بتحقق الأخوة بين المسلمين جميعاً ببركة قوله تعالى (( إنما المؤمنون إخوة )) الحجرات (١٠)
وذلك لأن وقت نزول الآية وقبل حصول الاختلاف  بين المسلمين لاشك ولاريب في تحقق الأخوة بين كل من نطق بالشهادتين وهذا مافهمه المسلمون آنذاك  وإلا يلزم عدم وجود مصداق للآية أيام النبي ص  أو حملها على الفرد النادر والقول بإختصاصها  بسلمان والمقداد وعمار وأبي ذر وأضرابهم وهو كما ترى
ثم جاء المخصص المنفصل الدال على مقاطعة المخالف والبراءة منه ولعنه وهذا المخصص يدور أمره بين الأقل والأكثر فهل هو خاص بالأقل وهو الناصب ومن عرف الحق وجحده مثلاً أو يشمل الأكثر وهو المستضعف والقاصر ومن  كان محباً لأهل البيت عليهم السلام و لم يروج لمذهبه الباطل والمرجع في المقدار الزائد إلى عموم العام ونقتصر في التخصيص على المقدار المتيقن وهو من صدق عليه أنه عدو لأولياء الله تعالى وأنه من أهل البدع

وتاسعاً :
على فرض وقوع الشك على نحو الشبهة المصداقية
فنقول يمكن تنقيح موضوع العام من خلال استصحاب العدم الأزلي بناءً على جريانه ( وإن كان التحقيق خلاف ذلك  ) فنقول بأن هذا المخالف حينما لم يكن لم يكن من أهل البدع وعدواً لأولياء الله تعالى فعند الشك نستصحب هذا الأمر المتيقن والنتيجة أنه أخ فتحرم غيبته

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل الرابع  : السيرة المتشرعية

وحاصله في مقدمتين :

المقدمة الأولى :
جرت سيرة المتشرعة على اغتياب المخالف

المقدمة الثانية :
السيرة المتشرعية حجة لأنها ترجع إلى الشارع ومستندة في عملها إلى الأخذ عنه يداً بيد

والنتيجة : جواز غيبة المخالف

وإليك بعض كلمات المستدلين بهذا الدليل :

١- الشيخ النجفي
(( وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار علمائهم وأعوامهم حتى ملأوا القراطيس منها بل هي عندهم من أفضل الطاعات وأكمل القربات فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع كما عن بعضهم بل يمكن دعوى ذلك من الضروريات فضلاً عن القطعيات )) الجواهر ج٢٢ ص ٦٢

٢- السيد الخوئي
(( الوجه الرابع : قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين بل سبهم ولعنهم في جميع الأعصار والأمصار بل في الجواهر أن جواز ذلك من الضروريات )) مصباح الفقاهة ج١ ص ٤٩٩

ويلاحظ عليه :

أولاً :
إن كان المقصود بهذه السيرة سيرة المتشرعة بعد عصر النص  فعلى فرض وجودها فعلاً فلا عبرة بها  لأنها لا تكشف عن رأي الشارع

وإن كان المقصود سيرة المتشرعة المعاصرين لعصر النص فهي وإن كانت حجة إلا أنه لا دليل عليها ومجرد قيام سيرة المتشرعة بعد عصر النص على اغتياب المخالفين لايكشف ذلك بالضرورة عن امتداد هذه السيرة إلى عصر النص إذ من المحتمل رجوعها إلى الأدلة المذكورة لا إلى متشرعة عصر النص فلابد وأن نرجع لنفس الأدلة وما يستفاد منها

وثانياً :
على فرض  وجود سيرة متشرعية في عصر النص على غيبة المخالف فمع ذلك نقول من المحتمل استناد هذه السيرة لهذه الأدلة المذكورة الواصلة لنا فلابد أن نرجع إلى نفس الأدلة وما نستفيده منها إذ لا حجية للسيرة إذا احتملنا تعويلها على المدارك المذكورة كما قالوا بذلك في الإجماع

إن قلت :
إذا سلمنا بوجود سيرة متشرعية معاصرة للنص فهي حجة لا محالة وذلك لوجود فروض ثلاثة لهذه السيرة وعلى جميعها تكون حجة

الفرض الأول :
أن نجزم بأن  هذه السيرة  مأخوذة من الشارع حساً يداً بيد فهي حجة كما هو واضح

الفرض الثاني :
أن نحتمل بأن هذه السيرة مأخوذة عن الشارع يداً بيد فتكون حسية ونحتمل استنادها  إلى المدارك الموجودة فتكون حدسية ومع دوران الأمر بين كونها عن حس أو حدس فالجاري هو أصالة الحس فتكون حجة بالتالي

الفرض الثالث :
أن نقطع بأن هذه السيرة راجعة للمدارك المذكورة فمع ذلك هي حجة وذلك لأنها معاصرة للشارع فلو كانت مخالفةً للواقع  لردع الشارع عنها  وبين  خطئها  إلا أنه سكت عنها وهذا تقرير منه كاف في إحراز حجية هذه السيرة

قلت :
لا نسلم بالحجية على الفرض الثاني والثالث

أما بالنسبة للفرض الثاني  فلا نسلم أن العقلاء يجرون أصالة الحس عند دوران الأمر بين الحس والحدس
وعلى فرض التسليم بالكبرى إلا أن الصغرى مرفوضة لأنه لانحرز بناء العقلاء على أصالة الحس مع وجود منشأ للحدس معتد به كما في المقام حيث توجد مدارك متعددة من المحتمل جداً استناد السيرة لها

أما بالنسبة للفرض الثالث فلم يحرز إمضاء الشارع لو لم يحرز العدم حيث جاءت الأدلة التي تدل على عدم جواز غيبة المسلم  بشكل مطلق وهي نصوص  متعددة كما نقلنا بعضها وهذا كاف في حد ذاته للردع

وثالثاً :
على فرض وجود سيرة متشرعية أخذت من الشارع يداً بيد وليست حدسية فمع ذلك السيرة دليل لبي والقدر المتيقن منها الغيبة فيما يرجع لدين المخالف لا الغيبة في الأمور الأخرى
وعلى فرض التعميم للغيبة في جميع الموارد فمع ذلك القدر المتيقن منها الناصب أو من يعلم الحق ويجحده ولا يحرز قيامها على غيبة المخالف القاصر والمستضعف فلاحظ

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل الخامس   : غيبة المتجاهر بالفسق

وحاصله في  مقدمتين  :

المقدمة الأولى : جواز غيبة المعلن بالفسق

لا شك ولا ريب في جواز غيبة المتجاهر بالفسق كما دلت جملة من الأخبار على ذلك :

١- عن هارون بن الجهم عن الصادق عليه السلام  (( إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة )) أمالي الصدوق ص ٤٢

٢- عن أبي البختري (( ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع والإمام الجائر والفاسق المعلن بفسقه ))
قرب الإسناد ص٨٢

المقدمة لثانية : المخالف معلن بالفسق

إن لمخالف متجاهر بالفسق لأنه منكر للولاية

والنتيجة :
جواز غيبة المخالف  لكونه متجاهراً بالفسق

وإليك كلمات بعض المستدلين بهذا الدليل :

١- الشيخ النجفي
(( إذ لا أقل من أن يكون جواز غيبتهم لتجاهرهم بالفسق فإن ماهم عليه من أعظم أنواع الفسق بل الكفر وإن عوملوا معاملة المسلمين في بعض الأحكام للضرورة وستعرف إن شاء الله أن المتجاهر بالفسق لا غيبة له فيما تجاهر فيه وفي غيره ))  الجواهر ج٢٢ ص٦٣

٢- السيد الخوئي
(( أن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق لبطلان عملهم رأساً كما في الروايات المتظافرة بل التزموا بما هو أعظم من الفسق كما عرفته وسيجيء أن المتجاهر بالفسق تجوز غيبته ))  مصباح الفقاهة ص٤٩٨

ويلاحظ عليه :

أولاً :
إن التجاهر بالفسق فرع ثبوت كونه منكراً لدى صاحبه وأما لو ارتكبه لشبهة خصوصاً مع كونه قاصراً فلا يعد ذلك من التجاهر بالفسق وهذا عينه قد ذكره بعضهم كالسيد الخوئي في المتجاهر ببعض المعاصي لشبهة حكمية أو موضوعية كما لو أكل لحم الأرنب لأنه يعتقد حليته بحسب اجتهاده أو تقليده وكذلك إذا شرب الخمر بإعتقاد أنه ماء إلا إذا كان مقصراً ولذا قال  :
(( فلو ارتكب أحد الحرام الواقعي لشبهة حكمية أو موضوعية فإنه ليس بمذنب فضلاً عن كونه متجاهراً بالفسق )) مصباح الفقاهة ص٥٢٤

وثانياً :
لو سلمنا بجواز غيبة المتجاهر بالفسق فمع ذلك غايته اغتيابه فيما تجاهر فيه لا في غيره مما تستر فيه
وإن شئت فقل  بأنه توجد ثلاثة مسالك في المسألة :

المسلك الأول : عدم جواز الغيبة في غير المتجاهر به

وهذا ما اختاره جمع من الأعلام وإليك بعض كلماتهم :

١- الشيخ النجفي

(( فالأحوط إن لم يكن الأقوى ترك غيبة غير المتجاهر بل الأحوط تركها في المتجاهر في غير ماتجاهر به )) الجواهر ج٢٢ ص ٦٩

٢- السيد الخوئي
(( ولكنك قد عرفت ضعف الروايات المذكورة فلا يمكن التمسك بإطلاقها وعليه فالإقتصار على المقدار المتيقن يقتضي عدم جواز غيبة المتجاهر بغير ما تجاهر فيه وفي لوازمه )) المصباح ص ٥٢٤

وهذا عينه اختاره الشهيد الثاني في المسالك ج٦ ص ٨٧

المسلك الثاني : جواز غيبة مطلقاً

وهذا ما ذهب له جمع من الأعلام وإليك بعض الكلمات :

١- المحدث البحراني
(( وأنت خبير بأن ظاهر الأخبار الثلاثة الأول هو جواز غيبته وإن استنكف عن ذلك وأنه لا يختص الجواز بالذنب الذي يتظاهر به كما هو ظاهر كلام جملة من الأصحاب وإن كان الإقتصار على ما ذكروه أحوط ))
الحدائق ج١٨ ص ١٦٦

٢-  النراقي
(( ومقتضى الروايتين والصحيحة المتقدمة وإن كان اختصاص الجواز بما جاهر وتظاهر به وعدم التعدي إلى غيره من الأسواء كما هو المصرح به في كلام جماعة إلا أن مقتضى البواقي التعميم فعليه الفتوى )) مستند الشيعة ج١٤ ص١٦٧

المسلك الثالث : التفصيل فيجوز فيما دون المتجاهر به فقط

وهذا ما ذهب له بعضهم كالشيخ الأعظم  الذي فصل بين المعاصي التي هي دون ما تجاهر فيه من القبح وبين غيرها  فيجوز اغتيابه في الأول ولا يجوز اغتيابه في الثاني  قال (( وينبغي إلحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح فمن تجاهر باللواط والعياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب ومن تجاهر بقطع الطرق …)) كما في المكاسب ج١ ص ٣٤٦

والذي يبدو من الأخبار صحة المسلك الأول حيث إن مقتضى مناسبة الحكم للموضوع هو جواز غيبته بملاك تجاهره فجوازالغيبة خاص بذلك فلا إطلاق في البين

وبناءً على ذلك نقول لا يتم هذا الدليل على المسلك الأول الذي اختاره  صاحب الجواهر و السيد الخوئي

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل السادس   : المخالف مبتدع

ما ذكره جمع وحاصله في مقدمات ثلاث  :

المقدمة الأولى  : جواز الوقيعة في أهل البدع

دلت الأخبار على رجحان الوقيعة في أهل الريب و البدع كما في صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه واله (( إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة )) الكافي ج٢ ص٢٧٨

المقدمة الثانية  : معنى الوقيعة

إن الوقيعة هي الغيبة  كما قد ذكر ذلك جمع من اللغويين  كابن منظور (( والوقيعة في الناس الغيبة ووقع فيهم وقوعاً ووقيعة أي يغتاب الناس )) لسان العرب ج٨ ص ٤٠٤

وكذلك الزبيدي (( الوقيعة غيبة الناس نقله الجوهري يقال وقع في الناس أي اغتابهم وقوعاً ووقيعة وقيل هو أن يذكر في الإنسان ما ليس فيه )) تاج العروس ج١١ ص٥٢٤

المقدمة الثالثة : المخالف مبتدع

إن المخالف من أهل الريب  و البدع لإنكاره الولاية

والنتيجة :
جواز غيبة لمخالف  لكونه من أهل البدع

وإليك كلمات بعض المستدلين بهذا الدليل :

١- النراقي
(( فتجوز غيبة المخالف وهو كذلك لصحيحة داود بن سرحان : قال رسول الله صلى الله عليه واله إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة فيهم …)) مستند الشيعة ج١٤ ص١٦٢

٢- السيد الخوئي
(( بل قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضلال والوقيعة هي الغيبة )) مصباح الفقاهة ج١ ص ٤٩٨

ويلاحظ عليه ؛

أولاً :
يحتمل أن يكون عنوان  أهل  الريب والبدع في هذه الصحيحة  بالخصوص أخذ على نحو المشيرية لا الموضوعية فكأن النبي صلى اله عليه واله  يشير لجماعة خاصة  وهم الذين سيخالفون وصيته من الصحابة وينقلبون على أهل بيته عليهم السلام فيكون هذا العنوان ( أهل الريب والبدع)  في الصحيحة عنواناً مشيراً فلا يمكننا بالتالي تسريته لكل مخالف

وثانيا:
لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بأن هذا العنوان ( أهل الريب والبدع ) ظاهر في الموضوعية لا المشيرية  فمع ذلك  نقول بأنه  لا يختص بالمخالف بل هو شامل لكل من انطبق عليه أنه من أهل الريب والبدع  سواءً  الكافر والمسلم والمؤمن فكل شخص يظهر منه الريب والبدع في الدين فيلزم  إظهار البراءة منه والوقيعة فيه ولا خصوصية للمخالف كما هو واضح فهذا الدليل أعم من المدعى

وثالثاً  :
إن  البراءة والوقيعة في الصحيحة خاصة بمن كان من أهل الريب و البدع وهذا العنوان  لا يشمل كل مخالف ومن لم يؤمن بالولاية  بل هو خاص  بمن يصدق عليه بأنه من أهل الريب والبدع
والبدعة من الإبتداع والإحداث في الدين بالزيادة والنقصان وهذا لا يحرز  شموله للمستضعف والقاصر  و من لا يدعو  لمذهبه الباطل أو من كان محباً لأهل البيت عليهم السلام وباحثاً عن الحق
ولا أقل من الشك في الصدق العرفي  فالمرجع عموم مادل على حرمة غيبة المسلم

ورابعاً   :
لو تنزلنا عما سبق فمع ذلك نقول بأن هذه الصحيحة معارضة بنصوص كثيرة  دلت  بالمطابقة أو بالإلتزام على حرمة غيبة المخالف وهذا لا يتناسب مع البراءة والوقيعة وهنا  نذكر بعضاً من هذه النصوص  :

الطائفة الأولى  : ما دل على النهي عن غيبة المسلم

جاءت روايات كثيرة تنهى عن غيبة المسلم بعنوان أنه مسلم لا أنه مؤمن منها :

١- معتبرة الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه )) الكافي ج٢ ص١٦٧

٢- عن الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام (( المسلم أخو المسلم هو عينه ومرآته ودليله لا يخونه ولا يخدعه ولا يظلمه ولا يكذبه ولا يغتابه )) الكافي ج٢ ص١٦٦

الطائفة الثانية : مادل على حق المسلم على المسلم

توجد روايات كثيرة دلت على وجود مجموعة من الحقوق بين المسلمين ومجموعة من الحقوق بين المؤمنين أيضاً منها :

١- معتبرة عبد الله بن مسكان عن الباقر  عليه السلام
(( أحب أخاك المسلم وأحب له ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لنفسك إذا احتجت فسله وإذا سألك فأعطه ولا تدخر عنه خيراً فإنه لا يدخر عنك كن له ظهراً فإنه لك ظهر إن غاب فاحفظه في غيبته وإن شهد فزره وأجله وأكرمه فإنه منك وأنت منه وإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى قل سخيمته وما في نفسه فإذا أصابه خير فاحمد الله وإن ابتلى فاعضده وتمحل له ))

٢- عن علي بن عقبة عن الصادق عليه السلام قال (( للمسلم على المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض وينصح له إذا غاب ويسمته إذا عطس ويجيبه إذا دعاه ويتبعه إذا مات )) الكافي ج٢ ص١٣٧

الطائفة الثالثة  : مادل على التواصل مع المخالفين

توجد روايات كثيرة للغاية دلت على التواصل مع المخالفين حتى أن بعضها أمرت بالصلاة معهم

١- معتبرة زيد الشحام عن الصادق عليه السلام (( يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب به أصحابه وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجفعر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه )) الفقيه ج١ ص ٢٥١

٢- معتبرة معاوية بن وهب قال (( قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس ؟ فقال تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم )) الكافي ج٢ ص ٦٣٥

وبعد ذلك نقول  لا يمكن الأخذ بعموم صحيحة داود بن سرحان وغض الطرف عن كل هذه النصوص بل لابد من طريق للتوفيق  بينها

وخامساً :
بعد فرض المعارضة بين الصحيحة وهذه النصوص نقول يمكن الجمع العرفي بأحد طريقين :

الطريق الأول : الجمع الموضوعي
وذلك بأن يقال بأن موضوع هذه النصوص مطلق شامل لكل مسلم وموضوع صحيحة داود خصوص أهل الريب والبدع فتخصص هذه النصوص بهذه الصحيحة تخصيصاً موضوعياً والنتيجة حرمة غيبة المخالف إلا من كان من أهل البدع كالنواصب مثلاً ومن روج لمذهبه الباطل
ولا يشمل ذلك القاصر والمستضعف

الطريق الثاني : الجمع الحكمي
وذلك بأن يقال بأنه حتى لو سلمنا بجواز غيبة المخالف بناءً على صحيحة داود إلا أن  غايته جواز الغيبة  للمخالف فيما يرتبط بباطله وضلاله الديني  كما هو مقتضى مناسبة الحكم للموضوع  والتعليل الوارد في الصحيحة (( كيلا يطمعوا في الفساد ))
وأما غيبته في باقي الأمور كالأمور الراجعة لشخصه خصوصاً  ككونه أعمى أو أعرج وغير ذلك فتحرم بناءً على هذه النصوص الدالة على حرمة غيبة المسلم

وسادساً :
على فرض استقرار التعارض فالترجيح بصالح ما دل على الحرمة لموافقته للكتاب كما بينا ذلك فيما سبق
هذا لو لم نقل كما قيل بأن الصحيحة مخالفة لروح الكتاب والسنة القطعية وإلا فتكون ساقطة عن الحجية من الأساس فلا تصل النوبة للبحث عن المرجحات

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل السابع   : نصب المخالف

ما ذكره جمع من الأعلام وحاصله في أربع مقدمات  :

المقدمة الأولى : نجاسة الناصب

دلت بعض الأخبار  على أن الناصب أنجس من الكلب وأهون منه  وشر من اليهود والنصارى كمعتبرة عبدالله بن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام (( …. وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه )) علل الشرائع ص٢٩٢

المقدمة الثانية : معنى الناصب

يستفاد  من الأخبار  أن هناك أكثر من معنى للناصب  منها :

المعنى  الأول : من قدم الجبت والطاغوت

دلت بعض الأخبار على أن من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب و ذلك  من قبيل  مارواه ابن إدريس نقلاً من كتاب مسائل الرجال عن محمد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمد بن علي  بن عيسى قال كتبت إليه يعني علي بن محمد عليه السلام  أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب ))
مستطرفات السرائر ص ٤٧٩

المعنى  الثاني : من عادى الشيعة

دلت بعض الأخبار على  أن الناصب من عادى شيعة أهل البيت عليهم السلام وذلك  من قبيل ما عن عبدالله بن سنان عن الصادق عليه السلام (( ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحداً يقول إني أبغض محمداً وال محمد صلى الله عليه واله ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا )) عقاب الأعمال ص٢٤٧

في السند  إبراهيم بن إسحاق وعبد الله بن حماد ومحمد بن أحمد ولم تثبت وثاقتهم

وكذلك ما عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام  ((  ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحداً يقول أنا أبغض محمداً وال محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وتتبرؤن من عدونا ))
معاني الأخبار ص ٣٦٥

في السند السند محمد بن أبي القاسم ومحمد بن علي الكوفي ولم تثبت وثاقتهما

المعنى الثالث :  من عادى أهل البيت

دلت بعض الأخبار على أن الناصب من ينصب العداء لهم عليهم السلام وذلك من قبيل  مارواه  عبد الحميد الوابشي عن الباقر عليه السلام (( قلت له إن لنا جاراً ينتهك المحارم كلها حتى أنه ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها فقال سبحان الله وأعظم ذلك ألا أخبركم بمن هو شر منه قلت بلى قال الناصب لنا شر منه أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب )) الكافي ج٨ ص١٠١

في السند علي بن عقبة وعمر بن أبان ولم تثبت وثاقتهما

المعنى الرابع : الزيدية هم النصاب

عن عمر بن يزيد قال (( سألته عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية ؟ فقال لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت وقال الزيدية هم النصاب )) التهذيب ج٤ ص ٥٣

في السند محمد بن عمر ومحمد بن عذافر ولم تثبت وثاقتهما

المقدمة الثالثة : المخالف ناصب

بناءً على ما ذكرناه يتضح بأن المخالف ناصب لأنه يقدم الجبت والطاغوت أو لأنه معادي للشيعة وهذا كاف في تحقق النصب كما في الأخبار السابقة

المقدمة الرابعة : الأولوية

إذا حكم على الناصب بالنجاسة وأنه شر من اليهود والنصارى كان الحكم بجواز غيبته أولى لأنه إذا جاز الأشد جاز الأهون وهو الغيبة بالأولوية

والنتيجة : جواز غيبة المخالف

وإليك كلمات بعض من أشار لهذا الدليل :

١- السيد الطباطبائي
(( مضافاً إلى النصوص المتواترة الواردة عنهم عليهم السلام بطعنهم ولعنهم وأنهم أشر من اليهود والنصارى وأنجس من الكلاب لدلالتها على الجواز صريحاً أو فحوىً )) رياض المسائل ج٨ ص ١٦٣

٢- السيد الخوئي :
(( وفي جملة من الروايات الناصب لنا أهل البيت شر من اليهود والنصارى وأهون من الكلب وأنه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة )) مصباح الفقاهة ج١ ص ٤٩٨

ويلاحظ عليه :

أولاً :
هذه الروايات التي بينت معنى الناصب لا تخلو من النقاش السندي كما ذكر ذلك السيد الخميني في الطهارة ج٣ ص ٣٢٤  فلا يمكن الإعتماد عليها في تحديد معنى الناصب بأنه كل من قال بإمامة الجبت والطاغوت أو من عادى الشيعة فبالنسبة للرواية التي ذكرت أن الناصب من قدم الجبت والطاغوت فلعدم العلم بطريق ابن إدريس لهذا الكتاب
وأما بالنسبة لرواية عبد الله بن سنان التي دلت على أن الناصب من نصب للشيعة فبإبراهيم بن إسحاق وعبدالله بن حماد
وأما بالنسبة لرواية المعلى فبمحمد بن أبي القاسم ومحمد بن علي الكوفي

وثانياً :
على فرض التسليم بسندها فإنه لا يمكن الأخذ بها جميعاً بل الترجيح بصالح الأخبار الدالة على المعنى الثالث وهو أن الناصب من نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام حيث إن هذا ما عليه المشهور وأما الأخبار الدالة على بقية المعاني فهي ساقطة عن الحجية لعدم عمل المشهور بها وإعراضهم عنها وحجية خبر الثقة مبنية على الوثوق النوعي وهذا يتوقف  على أن لا يقوم منشأ عقلائي على خلاف الخبر وإعراض المشهور منشأ عقلائي على الخلاف فيكون مانعاً من حجية هذه الأخبار وإليك بعض كلمات الأصحاب :

١- المحقق الحلي
(( أما الخوارج فيقدحون في علي عليه السلام وقد علم من الدين تحريم ذلك فهم بهذا الإعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع وهم المعنيون بالنصاب )) المعتبر ج١ ص٩٨
فخص النواصب بالخوارج القادحين في الأمير عليه السلام فمعناه أن تقديم الجبتين  أو معاداة الشيعة لا يكفي في النصب

١- المقداد السيوري
(( الناصب يطلق على خمسة أوجه الأول الخارجي القادح في علي عليه السلام الثاني ما ينسب إلى أحدهم عليهم السلام ما يسقط العدالة الثالث من ينكر فضيلتهم لو سمعها الرابع من اعتقد أفضلية غير علي عليه السلام الخامس من أنكر النص على علي عليه السلام بعد سماعه أو وصوله إليه بوجه يصدقه )) التنقيح الرائع ج٢ ص٤٢١

فلم يذكر أن من معاني النصب تقديم الجبتين  أو معاداة الشيعة

٢- السيد محمد جواد العاملي
(( فالذي يتحصل من كلامهم أن الناصب يطلق على معان أحدها الخارجي الثاني المبغض لأمير المؤمنين عليه السلام على وجه التدين به وذلك ما ذكره في القاموس وربما يرجع إلى الخارجي الثالث المتظاهر بالبغض لا مطلق البغض كما في التذكرة والنهاية وغيرها الرابع مطلق المبغض لأهل البيت عليهم السلام الخامس المبغض لشيعتهم السادس ناصب الحرب للمسلمين والذي يظهر تيقن الثلاثة الأول وتحقق معنى النصب فيها ويشك في الباقي وكلام المتقدمين عدا الصدوق خال عن التنصيص على الناصب بمعنى المبغض لأن منهم من حكم بنجاسة المخالفين ومنهم من اقتصر على ذكر الكافر )) مفتاح الكرامة ج٢ ص ٤٥

فتراه حصر النصب المتيقن بالمعاني الثلاثة الأول وليس منها تقديم الجبتين أو معاداة الشيعة

٣- المحقق الكركي
(( النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت عليهم السلام ولو نصبوا لشيعتهم لأنهم يدينون بحبهم فكذلك ))
جامع المقاصد ج١ ص١٦٤

٤- المحدث البحراني
(( والذي ذهب إليه أكثر الأصحاب رضوان الله عليهم أن المراد به من نصب العداوة لآل محمد صلى الله عليه واله وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر ورتبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصبي بهذا المعنى وقد تفطن شيخنا الشهيد الثاني من الإطلاع على غرائب الأخبار فذهب إلى أن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت عليهم السلام وتظاهر في القدح فيهم )) الحدائق الناظرة ج٥ ص١٧٨

فتجده نسب لأكثر الأصحاب أن النصب يعني العداوة لآل محمد عليهم السلام خاصة لا تقديم الجبتين أو معاداة الشيعة

وثالثاً :
على فرض  التسليم بسند هذه الأخبار و عدم البناء على  كبرى جابرية وكاسرية عمل المشهور  أو عدم البناء على  التفصيل بأن الشهرة كاسرة وليست جابرة أو على فرض المناقشة في  الصغرى بأن يقال لا نحرز اعتماد المشهور على الروايات الدالة على كون الناصب المبغض لأهل البيت عليهم السلام خصوصاً مع الإختلاف في كلماتهم
فيمكن القول بأن هذه الأخبار متعارضة فيما بينها فإنه بناءً على المعنى الأول يكون مجرد تقديم الجبت والطاغوت كافياً في تحقق النصب وهذا يعني نصب جميع المخالفين وأما على المعنى الثاني لايكفي تقديم الجبت والطاغوت للحكم بالنصب بل لابد من العداء للشيعة والنسبة بين هذين المعنيين عموم من وجه حيث يجتمعان في من يقدم الجبت والطاغوت وينصب العداوة للشيعة ويفترق المعنى الأول في من  قدم الجبت والطاغوت ولم ينصب العداوة للشيعة ويفترق المعنى الثاني في من  نصب العداوة للشيعة ولم يقدم الجبت والطاغوت كما في بعض الفرق كالزيدية والواقفة مثلاً

كما أنه بناءً على المعنى الثالث لا يكفي مجرد تقديم الجبت والطاغوت ولا بغض الشيعة بل المناط في النصب هو نصب العداوة لهم عليهم السلام والنسبة بين هذا المعنى والمعنيين الأوليين هي العموم من وجه فقد يبغض شخص أهل البيت عليهم السلام ولكن لا يبغض شيعتهم ولا يقول بتقديم الجبتين كما أنه قد يبغض شخص أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ويقدم الجبتين وقد يبغض شخص الشيعة ولا يبغض أهل البيت عليهم السلام ولا يقدم الجبتين وقد يقدم شخص الجبتين ولا يبغض أهل البيت عليهم السلام ولا يبغض شيعتهم

كما أنه على المعنى الرابع يكون النصاب هم الزيدية خاصة فيتعارض هذا المعنى مع المعاني الأخرى

وإن كان المقصود بأن الزيدية من النصاب لا الحصر بهم فيبقى التعارض بين المعاني الثلاثة الأول على حاله وبعد هذا التعارض فالقدر المتيقن من الناصب هو من جمع المعاني الثلاثة وهو من قدم الجبت والطاغوت ونصب العداوة لأهل البيت البيت عليهم السلام ولشيعتهم

ولو تعدينا لأكثر من ذلك لقلنا بأن الناصب من قدم الجبت والطاغوت ونصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام
وأما عداوة الشيعة فإن كان يرجع لإنتسابهم لأهل البيت عليهم السلام فيوجب النصب وإلا فلا حيث إن البغض للشيعة عادةً مرجعه لبغض أهل البيت عليهم السلام لكن الناصب لا يجاهر ببغض أهل البيت عليهم السلام ويجاهر ببغض شيعتهم

ورابعاً   :

لو تنزلنا عن كل ما تقدم إلا أن الدليل أخص من المدعى فإنه لا يمكن القول بأن كل مخالف ناصب حيث توجد جملة وافرة من  الأخبار التي دلت على وجود  المخالف المستضعف  كما أن هناك أحكاماً خاصة بالمستضعف كما بينا ذلك في مناقشة الدليل الأول وهذا كله شاهد على عدم صحة هذه الدعوى وهي أن كل المخالفين نواصب ولذلك لو سلمنا بهذا الدليل فهو أخص من المدعى ولا يثبت جواز غيبة كل مخالف بل غايته جواز غيبة خصوص الناصب وهذا لا مانع منه بل لا إشكال فيه ولا بأس هنا بنقل كلمات بعض الأعلام الذين فرقوا بين المخالف والناصب

١-  الصدوق
(( والجهال يتوهمون أن كل مخالف ناصب وليس كذلك )) من لا يحضره الفقيه ج٣ ص٤٠٨

٢-  الشيخ الأعظم
(( فالظاهر أن العامة منهم ناصب ومنهم مستضعف ومنهم الواسطة بينهما والمحكوم بنجاسته من الأخبار والإجماع هو الأول )) الطهارة ج٢ ص٣٥٨

وخامساً   :

بالنسبة لما ذكره السيد الخوئي   فمحل تأمل  فإنه لا ملازمة عرفاً بين الحكم بنجاسة الناصب  وجواز غيبته فممكن أن يلتزم بنجاسة الناصب  ولا يلتزم بجواز غيبته كما أنه يمكن أن يلتزم بجواز غيبته ولا يلتزم بنجاسته فإن النسبة هي العموم من وجه فقد يجتمعان وقد يفترقان ولذلك يجوز غيبة المتجاهر بالفسق مع عدم نجاسته  و تجوز غيبة الكتابي مع القول بطهارته
كما أنه يمكن القول بنجاسة الناصب وعدم جواز غيبته كما هو الحال بالنسبة لإجراء بقية الأحكام عليه كما ذكر ذلك السيد الخوئي

وهذا عينه أشكل به السيد الخوئي على الشيخ الأعظم
في مسألة  بيع  العبد المسلم من الكافر حيث  ربط  الشيخ الأعظم المسألة بنجاسة الكافر  فقال  (( إن الظاهر من الكافر كل من حكم بنجاسته ولو انتحل الإسلام كالنواصب والغلاة والمرتد )) المكاسب ج٣ ص٥٩٠

فرد عليه  السيد الخوئي قائلاً (( فبحث نجاسة الكافر أجنبي عن ذلك بل بينهما عموم من وجه إذ قد تكون النجاسة ثابتة في موضع فلا يشملهم عنوان الكافر كالنواصب فإنهم نجس بلا شبهة فقوله عليه السلام لا شيء أنجس من الكلب والناصب لنا أهل البيت أنجس من الكلب ومع ذلك يجري عليهم أحكام الإسلام في الإرث والنكاح وغيرهما من أحكام الإسلام وإن كان شر من الكافر نعم نجاسة الغلاة ليست مسلمة وقد يترتب حكم الكفر على مورد من غير أن تثبت فيه النجاسة كالكتابي بناءً على طهارتهم لكون طهارتهم ونجاستهم مختلف فيه بين الأصحاب وقد يجتمعان وبالجملة أن البحث عن حرمة بيع المسلم من الكافر وعن نجاسة الكافر والنواصب بحثان لا تماس بينهما بوجه )) مصباح الفقاهة ج٣ ص٣٥٠

فنقول يرد على السيد الخوئي  هنا نفس ما أورده على الشيخ الأعظم في مسألة بيع العبد المسلم من المخالف فيقال له يا سيدنا الخوئي إن البحث عن جواز غيبة الناصب والبحث عن نجاسته بحثان لا تماس بينهما فقد يكون الناصب نجس ومع ذلك لا تجوز  غيبته فلاحظ

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

الدليل الثامن : عدم الحرمة للناصب

وحاصله في مقدمات :

المقدمة الأولى :
لا خلاف بأن الناصب لا حرمة له ولا كرامة كما قد دلت الأخبار الكثيرة على ذلك ونقتصر على ذكر طائفتين منها :

الطائفة الأولى :  ما دل على جواز قتله

١- معتبرة داود بن فرقد (( قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل النصاب ؟ قال حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به  عليك فافعل قلت فما ترى في ماله ؟ قال توه  ما قدرت عليه )) العلل ص ٦٠١

٢- معتبرة بريد بن معاوية العجلي قال (( سألت أبا جعفر عليه السلام عن مؤمن قتل ناصبياً معروفاً بالنصب على دينه غضباً لله ورسوله صلى الله عليه واله أيقتل به ؟ قال أما هؤلاء فيقتلونه به ولو رفع إلى إمام عادل ظاهر لم يقتله به قلت فيبطل دمه ؟ قال لا ولكن إذا كان له ورثة كان على الإمام أن يعطيهم الدية من بيت المال لأن قاتله إنما قتله غضباً لله عزوجل وللإمام ولدين المسلمين )) الكافي ج٧ ص٣٧٤

الطائفة الثانية : ما دل على حلية ماله

١- معتبرة حفص بن البختري عن الصادق عليه السلام (( خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس ))
التهذيب ج٤ ص١٢٢

٢- عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (( مال الناصب وكل شيء يملكه حلال لك إلا امرأته فإن نكاح أهل الشرك جائز وذلك أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لا تسبوا أهل الشرك فإن لكل قوم نكاحاً ولولا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ورجل منكم خير من ألف رجل منهم لأمرناكم بالقتل لهم ولكن ذلك إلى الإمام )) التهذيب ج٦ ص٣٨٧

المقدمة الثانية  :
إن كل مخالف فهو ناصب إلا من كان مستضعفاً وهذا ما دلت عليه جملة من الأخبار منها :

١-  عن معلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام  ((  ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحداً يقول أنا أبغض محمداً وال محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وتتبرؤن من عدونا ))
معاني الأخبار ص ٣٦٥

٢- روى ابن إدريس نقلاً من كتاب مسائل الرجال عن محمد بن أحمد بن زياد وموسى بن محمد بن علي  بن عيسى قال كتبت إليه يعني علي بن محمد عليه السلام  أسأله عن الناصب هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب ))
مستطرفات السرائر ص ٤٧٩

المقدمة الثالثة  : الأولوية
من الواضح عرفاً أنه إذا جاز  قتل الناصبي وأخذ ماله  جازت غيبته  بالأولوية

والنتيجة :
جواز غيبة المخالف لكونه ناصبياً

وهذا الدليل يظهر من كلام المحدث البحراني  حيث قال (( فإن قيل : إن أكثر هذه الأخبار إنما تضمن الناصب وهو على المشهور أخص من مطلق المخالف فلا تقوم   الأخبار  حجة على ما ذكرتم قلنا : إن هذا التخصيص قد وقع اصطلاحاً من هؤلاء المتأخرين فراراً من الوقوع في مضيق الإلزام كما في هذا الموضع وأمثاله وإلا فالناصب حيثما أطلق في الأخبار وكلام القدماء فإنما يراد به المخالف عدا المستضعف ))   الحدائق ج١٨ ص ١٣٩- ١٤٠

ويلاحظ عليه :

أولاً :
أنه لم نقف  على دليل تام يفيد أن كل من قدم الجبتين أو نصب العداوة للشيعة فهو ناصب  كما بينا ذلك في مناقشة الدليل السابع فلاحظ

وثانياً :
لو تنزلنا عما سبق فمع ذلك نقول بأنه جاءت الأخبار المتواترة الدالة على حرمة دم ومال كل مسلم وإليك بعضاً منها :

١- معتبرة زيد الشحام عن أبي عبدالله عليه السلام قال :(( إن رسول الله صلى الله عليه واله وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه عني فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا ثم قال أي يوم أعظم حرمة ؟ قالوا هذا اليوم قال فأي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا هذا الشهر قال فأي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا هذا البلد قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه فيسألكم عن أعمالكم ألا هل بلغت ؟ قالوا نعم قال اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرىء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ولا تظلموا أنفسكم ولا ترجعوا بعدي كفارا )) الكافي ج٧ ص ٢٧٣

٢- معتبرة الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام (( الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام إن الإيمان ماوقر في القلوب والإسلام ماعليه المناكح والمواريث وحقن الدماء )) الكافي ج٢ ص ٢٦

٣- معتبرة حمران بن أعين عن الباقر عليه السلام (( .. والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ..)) الكافي ج٢ ص٢٦

٤- معتبرة سماعة عن الصادق عليه السلام (( الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى الله عليه واله به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس …)) الكافي ج٢ ص ٢٥

٥- عن النبي صلى الله عليه واله (( … يا أبا ذر سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه ..)) أمالي الطوسي ص٥٣٧

إذاً فلا يصح غض الطرف عن كل هذه الروايات المعارضة

وثالثاً :
على فرض وقوع  المعارضة بين الروايات فيمكن الجمع العرفي وذلك بحمل المطلق على المقيد فكل مسلم محترم النفس والمال إلا الناصب ولا ملزم لحمل كل هذه الروايات الدالة على احترام المسلم على التقية كما صنعه صاحب الحدائق خصوصاً مع كون بعضها صادرة عن النبي صلى الله عليه واله وبعضها ينقلها الأئمة عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلى الله عليه واله

ورابعاً :
على فرض استقرار التعارض  وعدم إمكان الجمع العرفي فلا إشكال بطرح الروايات الدالة على عدم الحرمة للمحكوم بإسلامه لكونها مخالفةً للكتاب والسنة القطعية الدالين على  حرمة كل مسلم في نفسه وماله وعرضه وأنه لا يجوز لأحد الإعتداء عليه وظلمه حقه

وخامساً :
على فرض عدم كون هذه الأخبار مخالفةً للكتاب أو السنة بنحو التباين الكلي أو الجزئي فغايته أنه بعد استقرار التعارض نرجع للمرجحات والموافق للكتاب هي الروايات الدالة على الإحترام فيكون الترجيح بصالحها

وسادساً :
على فرض عدم المرجح فغايته التساقط فيكون العموم الكتابي مرجعاً بعد التساقط

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل لإثبات جواز غيبة كل مخالف بل غايته جواز غيبة الناصب وهذا لا إشكال فيه

الدليل التاسع : غيبة الشارع للمخالف

وحاصله في مقدمات ثلاث  :

المقدمة الأولى : قذف المعصوم

جاءت بعض الأخبار التي فيها قذف المعصوم عليه السلام العامة ونسبهم للزنا وأنهم أولاد بغايا  من قبيل :

١- معتبرة  ضريس الكناسي عن الصادق عليه السلام (( أتدري من أين دخل على الناس الزنا ؟ قلت  لا أدري جعلت فداك قال  من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم )) الكافي ج١ ص٥٤٦

٢- عن أبي حمزة عن الباقر عليه  السلام (( قلت له إن بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم فقال الكف عنهم أجمل ثم قال والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا قلت كيف لي بالمخرج من هذا ؟ فقال لي يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدل عليه أن الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثةً في جميع الفيء ثم قال عزوجل واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل  فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ….  )) الكافي ج٨ ص ٢٨٥

في السند علي بن العباس الحسن بن عبد الرحمان

المقدمة الثانية : القذف غيبة

إن قذف العامة بالزنا من أجلى مصاديق الغيبة وأعظمها فإذا جاز غيبتهم بالزنا جاز بغيرها بالأولوية

المقدمة الثالثة : حجية فعل المعصوم

إن قول المعصوم وفعله وتقريره حجة فإذا صدرت الغيبة للمخالفين  من  قبل الإمام عليه السلام دل ذلك بوضوح على جواز ذلك لغيره

والنتيجة : جواز غيبة المخالف

وقد استدل بهذا الدليل المحدث البحراني في الحاشية من الحدائق حيث قال   : (( فإذا كان الأئمة عليهم السلام قد طعنوا فيهم بهذا الطعن واعتابوهم بهذه الغيبة التي لا أعظم منها في الدين بالنسبة إلى المؤمنين والمسلمين فكيف يتم ما ذكروه من المنع من غيبتهم وبالجملة فالأمر فيما ذكرناه أشهر من أن ينكر وحينئذ فيحمل قوله في الخبر الأول الكف عنهم أجمل على رعاية التقية حيث إنه بعد هذا الكلام عقبه بتصديق مانقله عن بعض أصحابنا وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر )) ج١٨ ص١٣٨

ويلاحظ عليه :

أولاً :
بالنقض فإنه لو صح الإستدلال بهذه الروايات على جواز غيبة المخالف لصح الإستدلال على ذلك بالروايات التي دلت على كفره أو نصبه أو فسقه وأشباه ذلك  فإن نفس الوصف بالكفر أو النصب يعتبر عيباً و ذكراً للغير  في غيبته بما يكرهه وبالتالي فلا نحتاج إلى دليل على جواز غيبة المخالف إذ نفس هذه الأوصاف الصادرة عن المعصوم عليه السلام في روايات عديدة كاف في حد ذاته للدلالة على الجواز

وثانياً :
بالحل وذلك بأن هذه الأوصاف الصادرة عن المعصوم عليه السلام  في هذه الروايات وغيرها خارجة عن حد الغيبة فإنها صدرت  لبيان حكم  شرعي وضعي  أو حكم أخروي مثلاً للمخالف وما كان كذلك فهو خارج عن الغيبة موضوعاً فروايات الكفر تبين حكماً شرعياً وضعياً وهو أن منكر الولاية حكم عليه الشارع بالكفر بمعنى من المعاني المتقدمة مثلاً

والمعلن بالعداء لعلي عليه السلام حكم عليه الشارع  بحكم وضعي مثلاً وهو النصب
وهذه الأحكام  الشرعية الوضعية لها آثارها التكوينية والتشريعية

فكذلك الكلام في المقام  فيحتمل أن يكون الحكم على العامة بالزنا إنما هو بيان لحكم شرعي وضعي أو حكم أخروي  مثلاً وهو أن بسبب  عدم أداءهم الخمس  دخل عليهم من ذلك الزنا حيث أنهم غصبوا خمس الإمام عليه السلام فليس ذلك من الغيبة في شيء و يمكن ذكر عدة شواهد على هذا الحمل  :

الشاهد الأول :
من الواضح بأن مجرد عدم دفع الخمس ليس موجباً لدخول الزنا وصيرورة المخالفين أولاد بغايا إذ من  المعلوم بأنه لو غصب شخص مالاً من آخر وتزوج به ودفعه مهراً للزوجة لا يكون هذا النكاح زنا ولا يكون الولد المتولد من هذا النكاح ابن زنا فماهو وجه ربط الإمام عليه السلام عدم دفع الخمس بالزنا ؟؟؟

الشاهد الثاني :
من المعلوم بأنه لو اشترى شخص جاريةً بمال مغصوب  وهو يظن أن المال ملك له أو لو اشترى جاريةً مغصوبةً مثلاً لايوجب ذلك كون الوطىء زنا بل غايته أنه وطىء شبهة
فالكلام هو الكلام بالنسبة  للمخالفين أو غالبيتهم فهم جاهلون جهلاً بسيطاً أو مركباً بوجوب الخمس في أرباح المكاسب أو بوجوب دفعه للإمام والسادة مثلاً وبالتالي لو دفعوا الأموال  التي هي متعلق للخمس في شراء جارية أو في دفع مهر فغايته أن يكون وطئهم وطأ شبهة وهذا لا يوجب دخول الزنا أو وصفهم بأولاد بغايا

الشاهد الثالث :
كيف يوصف العامة بأنهم أولاد  بغايا بسبب عدم دفعهم الخمس مع أن نكاحهم محكوم بالصحة كما دلت الأخبار ولو لم يكن إلا قوله عليه السلام (( لكل قوم نكاح )) لكفى ؟؟؟

الشاهد الرابع :
من المتفق عليه بين الأعلام حرمة  قذف المسلم  وليس خصوص المؤمن ولذا قال في الجواهر
(( المقذوف ويشترط فيه الإحصان المشترك بين التزويج والإسلام والحرية وغيرها ولكن هو هنا عبارة عن البلوغ وكمال العقل والحرية والإسلام والعفة بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه )) ج٤١ ص ٤١٧

وهذا ما صرح به الأعلام فلاحظ مثلاً :  الهداية ص٢٩٣ للصدوق  والمقنعة ص٧٩٢ للمفيد وشرائع الإسلام ج٤ ص ٩٤٦ والمهذب البارع ج٥ ص٧٤ لابن فهد الحلي
و التحرير ج٥ ص٤١٠ للعلامة الحلي  و المسالك ج١٤ ص٤٣٨ للشهيد الثاني وإيضاح الفوائد ج٤ ص٥٠٣ فخر المحققين  وغيرها

فكيف يمكن صدور ذلك من الإمام عليه السلام   ؟؟؟ وإليك بعض الأخبار الدالة على ذلك :

١- عن أبي بصير قال سمعته يقول  (( من افترى على مملوك عزز لحرمة الإسلام )) العلل ج٢ ص ٥٣٨

٢- عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام  (( لو أتيت برجل قذف عبداً مسلماً لا نعلم منه إلا خيراً لضربته الحد حد الحر إلا سوطاً )) التهذيب ج١ ص٦٧

٣- عباد بن صهيب (( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن نصراني قذف مسلماً فقال له يا زان ؟ فقال يجلد ثمانين جلدة لحق المسلم وثمانين سوطاً لحرمة الإسلام ويحلق رأسه ويطاف به في أهل دينه لكي ينكل غيره )) الكافي ج٧ ص ٢٣٩

و من جميع  ماتقدم نقول  بأنه لو لم تكن هذه الشواهد مانعةً من إحراز الوثوق بصدور هذه الروايات فلا أقل أنها  موجبة للتصرف في ظهورها وتأويلها بما لا يوجب مخالفة الحكم الشرعي فإما أن تحمل على  أنها بيان لحكم شرعي وضعي أو حكم أخروي فلاحظ

وثالثاً  :

على فرض التسليم بأن ما صدر من المعصوم  عليه السلام هو غيبة للمخالف فمع ذلك نقول بأن هذه الأخبار معارضة بالنصوص  الكثيرة  الدالة على حرمة غيبة المسلم  والتي ذكرنا جملةً منها فيما سبق فلابد من معالجة هذا التعارض

ورابعاً :

بعد فرض تحقق التعارض نقول  بأنه يمكن ذكر طرق  ينحل بها هذا التعارض المتوهم و نقتصر على طريقين  :

الطريق الأول :

يمكن القول بأن هذه الغيبة  الصادرة عن المعصوم عليه السلام ترجع لكون المخالف متجاهراً بالفسق في غصبه لحق الإمام عليه السلام  فتكون هذه الغيبة على طبق القاعدة إذ لا إشكال  في جواز غيبة المتجاهر بالفسق

الطريق الثاني :

يمكن القول بأن هذه الغيبة إنما صدرت من المعصوم عليه السلام  لأجل وجود العنوان الثانوي  المسوغ للغيبة وهو وجود المصلحة المهمة في المقام وهي التأكيد على حق الإمام عليه السلام من الخمس و الذي أكله الناس غصباً فوقعوا بسببه في بعض مراتب الزنا خصوصاً  في  الإماء والجواري التي تكون من غنائم الحرب فراحوا يبيعون  ويشترون فيها ويطئونها غصباً وبالتالي تكون  الغيبة على طبق القاعدة

فعلى كلا هذين الطريقين تكون هذه الغيبة الصادرة على طبق القاعدة فينحل التعارض المتوهم

وخامساً :

إن أصررت على كون هذه الغيبة ليست على طبق القاعدة فمع ذلك لا مانع من الإلتزام بالتخصيص في خصوص هذا المورد إن لم نقل بأن هذه الغيبة تجوز لخصوص الإمام عليه السلام دون غيره لكونه هو المظلوم والمغصوب حقه كما يقال بذلك في مستثنيات حرمة الغيبة حيث يجوز للمظلوم الإغتيباب بقصد الإنتصار دون غيره فلاحظ

والنتيجة : عدم جواز غيبة المخالف

الدليل العاشرة   : الضرورة المذهبية

وحاصله في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى : قيام الضرورة

قامت الضرورة المذهبية على جواز غيبة المخالف

المقدمة الثانية : معنى الضرورة

الضرورة تعني بلوغ المسألة حداً من الوضوح والبداهة بحيث لا تحتاج إلى الإستدلال عليها وهي أعلى مرتبة من التسالم والإجماع

المقدمة الثالثة : حجية الضرورة

الضرورة تستمد حجيتها من حجية القطع فإن قيام الضرورة على جواز غيبة المخالف يفيد   حصول  العلم القطعي بالجواز ولا خلاف في حجية القطع وإن وقع الخلاف في منشأ حجيته وأنه حجة بذاته كما هو المشهور أو حجيته جعلية كما هو مبنى البعض

والنتيجة : جواز غيبة المخالف

وإليك كلمات بعض المشيرين إلى هذا الدليل :

١- الشيخ النجفي
(( بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات فضلاً عن القطعيات )) الجواهر ج٢٢ ص٦٢

٢-  الشيخ الأعظم
(( وتوهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم وعدم جريان أحكام الإسلام عليهم إلا قليلاً مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة وحل ذبائحهم ومناكحتهم وحرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة ونسائهم لأن لكل قوما نكاحاً ونحو ذلك )) في المكاسب ج١ ص٣١٩

ويلاحظ عليه :

أولاً :
لا نسلم بتحقق الضرورة على جواز غيبة المخالف بحيث تكون المسألة بلغت حداً من الوضوح والبداهة لا تحتاج معها إلى الإستدلال وذلك  لا أقل لوجود الخلاف و لوجود التعارض بين جملة من الأدلة في المسألة وهذا مانع من تمامية هذه الدعوى

وثانياً :
على فرض تحقق هذه الضرورة فلعلها كانت لدى متشرعة عصر النص وليست لدينا خصوصاً مع هذا الفاصل الزمني بيننا وبين عصر النص والإختلاف في الأقوال والأدلة

وثالثاً :
على فرض تحقق الضرورة في عصرنا أيضاً فهي حجة على من بلغته وأما من لم يصل من خلال بحثه إلى وضوح المسألة بدرجة تغني عن الإستدلال فلا قيمة لهذه الضرورة فضلاً عما لو قام الدليل على خلاف هذه الضرورة المدعاة

ورابعاً :
لو سلمنا بهذه الضرورة إلا أن القدر المتيقن منها الناصب والمبتدع ولا يحرز شمولها للقاصر والمستضعف فلاحظ

والمتحصل عدم تمامية هذا الدليل

والمتحصل من جميع ما تقدم هو أنه لم ينهض دليل على القول الأول القائل بجواز غيبة المخالف مطلقاً وكذلك الدليل على عكس القول الثاني القائل بحرمة الغيبة مطلقاً فالصحيح هو القول الثالث وهو التفصيل وحاصل هذا التفصيل هو  أنه لا يجوز غيبة القاصر والمستضعف ويجوز غيبة الناصب ومن صدق عليه أنه من أهل البدع من المخالفين ولو لم يكن ناصباً فلاحظ

النقطة الرابعة : القاعدة عند الشك

وهنا نبحث عن مقضى الأصل اللفظي والعملي عند الشك في جواز غيبة المخالف فيكون البحث في جهتين :

الجهة الأولى : الأصل اللفظي

ما هو مقتضى الأصل اللفظي عند الشك في جوا غيبة المخالف ؟

وفي مقام الجواب يمكن القول بأن الشك يتصور على ثلاثة أنحاء  :

النحو الأول : الشك على نحو الشبهة المفهومية

وهو ما إذا حصل لدينا شك في جواز غيبة المخالف وكان هذا الشك على نحو الشبهة المفهومية كما لو دل الدليل العام كالآية وبعض الروايات على حرمة غيبة كل مسلم وجاء المخصص الدال على جواز غيبة الناصب أو المبتدع وشككنا في مفهوم الناصب هل هو خصوص المعلن بعداوة أهل البيت عليهم السلام أو كل من قدم الجبت والطاغوت أو كل من عادى الشيعة  ويمكن أن يفرض لهذا الشك فرضان :

الفرض الأول : أن يكون المخصص متصلاً

أن يفترض أن المخصص متصلاً  فحيث يدور أمر المخصص المتصل  بين الأقل والأكثر فمقتضى القاعدة هو عدم إمكان التمسك بالعام و سريان إجمال المخصص إلى العام فالمشكوك حكمه كالمستضعف والقاصر لا يمكن التمسك بعموم ما دل على حرمة الغيبة لإثبات حرمة غيبته

الفرض الثاني : أن يكون المخصص منفصلاً

أن يفترض أن المخصص منفصلاً فحيث يدور أمر المخصص المنفصل بين الأقل والأكثر فمقتضى القاعدة هو التمسك بالعام وعدم سريان إجمال المخصص للعام لكونه منفصلاً   والنتيجة حرمة غيبة المخالف  المشكوك كونه ناصباً أو مبتدعاً   كالمستضعف والقاصر مثلاً

النحو الثاني : الشك على نحو الشبهة المصداقية

إذا حصل لدينا الشك في جواز غيبة المخالف على نحو الشبهة المصداقية كما لو شككنا بأن زيداً بخصوصه هل هو ناصب أم لا ؟ بعد وضوح مفهوم الناصب لدينا أو شككنا هل هو مبتدع أم لا ؟ مع وضوح مفهوم المبتدع عندنا  وهنا يمكن تصوير الشك في فرضين :

الفرض الأول : أن يكون المخصص متصلاً

وهنا لا يمكن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وذلك لعدم انعقاد العموم من الأساس

الفرض الثاني : أن يكون المخصص منفصلاً

وهنا وقع الخلاف بينهم فذهب المشهور كما قيل لجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وذهب آخرون للعدم والتحقيق هو عدم إمكان التمسك بالعام في  الشبهة المصداقية بلا فرق بين كون المخصص لفظياً أو لبياً بديهياً أو نظرياً

نعم  بناءً على  وجود حالة سابقة للمخالف ولو عند ولادته بأنه لم يكن ناصبياً  أو لم يكن مبتدعاً فيمكننا بالتالي استصحاب عدم كونه ناصبياً أو عدم كونه مبتدعاً على نحو العدم النعتي  لتنقيح موضوع العام

وأما لو فرضنا أن النصب أو الإبتداع من العناوين الملازمة للماهية ب فتبتني المسألة على جريان الإستصحاب في الأعدام الأزلية فإن بنينا على ذلك كماهو مبنى  الكفاية والسيد الخوئي  فيمكن به تنقيح موضوع العام  وبالتالي يندرج هذا الفرد المشكوك تحت العام ببركة الإستصحاب فإنه عندما  لم يكن موجوداً لم يكن ناصبياً ولم يكن مبتدعاً فعند الشك نستصحب ذلك والنتيجة حرمة غيبته لكونه مندرجاً  تحت عمومات الحرمة

وأما لو بنينا على عدم جريان الإستصحاب في العدم الأزلي كما هو مبنى المحقق النائيني والسيد الإمام فلا يمكن تنقيح موضوع العام

و التحقيق عدم  حجية الإستصحاب في الأعدام الأزلية

النحو الثالث : الشك على نحو الشبهة الحكمية

وهو ما إذا كان الشك في شمول العام للمخالف ناشئاً من الإشتباه في الحكم الشرعي لا من ناحية الشك في دخوله تحت عنوان المخصص على نحو الشبهة المفهومية أو الشبهة المصداقية  وذلك كما إذا افترضنا الشك في دخول المخالف في عموم الآية أو الروايات الدالة على حرمة الغيبة وهنا يوجد  فرضان :

الفرض الأول : المخصص المتصل

إذا فرض أن المخصص كان متصلاً فمن الأساس لم ينعقد للدليل عموم  وبالتالي لا يصح التمسك بهذه الأدلة عند الشك في حكم غيبة المخالف

الفرض الثاني : المخصص المنفصل

إذا فرض أن المخصص كان منفصلاً فمن الواضح أنه يصح التمسك بالعام لإثبات حرمة غيبة المخالف وذلك لأن المخصص المنفصل لا يهدم الظهور وإنما يمنع من الحجية فالعام باق على حاله في العموم وليس مستمعلاً مجازاً كي يقال بأن للمجاز مراتب وهي غير متعينة

الجهة الثانية : مقتضى الأصل العملي

ما هو مقتضى الأصل العملي عند الشك في جواز غيبة المخالف ؟

وفي مقام الجواب يمكن القول بأنه يوجد نحوان للشك  :

النحو الأول  : أن يكون الشك على نحو الشبهة الحكمية

إذا حصل لدينا الشك على نحو الشبهة الحكمية في جواز غيبة المخالف فالجاري هو البراءة عن الحرمة إلا أن نبني على ما بنى عليه الإخباريون من جريان الإحتياط في الشبهات التحريمية وهو غير تام

النحو الثاني : أن يكون الشك على نحو الشبهة الموضوعية

إذا حصل لدينا الشك في جواز غيبة هذا المخالف لأجل الإشتباه في الموضوع فهل هو ناصب حتى تجوز غيبته أم ليس ناصباً فلا تجوز غيبته ؟  فمقتضى الأصل هو جريان البراءة عن حرمة غيبته كما هو مبناهم من جريان البراءة في الشبهات الموضوعية بلا حاجة للفحص

والحمد الله رب العالمين

قم المقدسة ١٤٣٧

بقلم حسن عبد الله الهودار

شاهد أيضاً

بحث حول الرسالة العددية – بقلم الشيخ حسن عبدالله الهودار

الرسالة العددية للشيخ المفيد النقطة الأولى : ثمرة البحث من جملة المسائل الرجالية  الجديرة بالبحث …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.