تقليد الميت ابتداءً – بقلم الشيخ حسن عبدالله الهودار

تقليد الميت ابتداء

النقطة الأولى : تاريخ المسألة

١– تاريخ المسألة في كتب الأصول

بعد الملاحظة والتتبع في عدد من الكتب الأصولية لأعلام الطائفة يتضح بأن مسألة الإجتهاد والتقليد كانت مطروحةً في الأصول ولذلك حينما ترجع إلى كتب الأصول قديماً وحديثاً ككتاب الذريعة للمرتضى والعدة للطوسي والمعارج للمحقق والمبادئ للعلامة والمعالم لإبن الشهيد والوافية للتوني والقوانين للقمي والفصول الغروية للشيخ محمد حسين الحائري والمطارح للشيخ الأعظم والكفاية للآخوند ونهاية الأفكار للعراقي ونهاية الدراية للأصفهاني وغيرها من كتب الأصول تجد مسألة الإجتهاد والتقليد مبحوثةً في الأصول غير أن السابقين كالمرتضى والطوسي والمحقق والعلامة لم يتطرقوا لمسألة تقليد الميت وإنما كانوا يبحثون في الإجتهاد و في أصل جواز التقليد ومناقشة المنكرين لجواز التقليد ويبحثون عن صفات المفتي ولم يتطرقوا إلى شرطية الحياة في المفتي نفياً أو إثباتاً بيد أن المتأخرين أضافوا مسألة تقليد الميت وأول من بحثها أصولياً فيما أعلم هو صاحب المعالم وأول من عمق البحث الإستدلالي فيها هو الفاضل التوني في الوافية ثم تلاه من جاء بعده

2– تاريخ المسألة في كتب الفقه

تطرق جملة من الأعلام في كتبهم الفقهية لمسألة التقليد كالمرتضى في رسائله والعلامة الحلي في الرسائل السعدية إلا أن أول إشارة في الفقه عن مسألة تقليد الميت بحسب ماوقعت عليه كانت من قبل الشهيد الأول في الذكرى ج١ ص ٤٤ ثم توالت الكتب الفقهية في بحث هذه المسألة كالشهيد الثاني في المسالك والأردبيلي في مجمع الفائدة والكركي في جامع المقاصد والجواهري في الجواهر وهكذاإلى زمن صاحب العروة الذي أفرد باباً كاملاً في الفقه حول الإجتهاد والتقليد

٣– تاريخ المسألة رسائلياً

لقد ألفت عدة رسائل في جواز تقليد الميت وعدمه نتيجة أهمية المسألة ونتيجة الخلاف الذي وقع بين الأصوليين والإخباريين في ذلك فمن جملة الرسائل :

١– رسالة في تقليد الميت للشيخ حسن بن زين الدين صاحب المعالم

٢– رسالة في تقليد الميت للشهيد الثاني

٣– رسالة في المنع من تقليد الميت للكركي

٤– رسالة في تقليد الميت ابتداءً وبقاءً للمحدث البحراني

٥رسالة في عدم جواز تقليد الميت للبهبهاني

٦– رسالة في تقليد الميت والأعلم للشيخ الأنصاري

٧– رسالة في تقليد الميت للمحقق القمي

٨– رسالة في تقليد الميت لأبي المعالي الكلباسي

وغيرها عشرات الرسائل كما يشهر بمراجعة الذريعة للآقا الطهراني

والمتحصل من جميع ماسردناه هو أن مسألة تقليد الميت لم تكن مبحوثةً عند القدماء نفياً أو إثباتاً وإنما أول من تطرق لها الشهيد الأول في الذكرى وقيل العلامة الحلي في بعض كتبه ولكن لم أتحقق ذلك

فلتكن على تذكر من ذلك لأن تاريخ بحث المسألة لدى الأعلام قرينة تساعد في تحقيق النتيجة

النقطة الثانية : الأقوال في تقليد الميت

1– رأي العامة

ذهب السابقون من العامة إلى عدم جواز تقليد الميت ونقل الشوكاني عن الرازي وعن الغزالي دعوى الإجماع على ذلك إلا أن المتأخرين منهم ذهبوا لجواز ذلك بل ذهب بعضهم لوجوبه بعد حصرهم المذاهب في أربعة

٢– رأي الخاصة

اختلف الإمامية في هذه المسألة إلى عدة أقوال المهم منها التالي :

القول الأول جواز تقليد الميت مطلقاً ابتداءً واستمراراً وهذا رأي الإخباريين وبعض الأصوليين

كالمحقق القمي

القول الثاني عدم جواز تقليد الميت مطلقاً ابتداءً واستمراراً وهذا رأي جملة من الأعلام كصاحب الكفاية

القول الثالث التفصيل بين التقليد الإبتدائي فلايجوز والتقليد البقائي فيجوز مطلقاً بلافرق بين المسائل التي عمل بها أم لا و تعلمها أم لا وهذا رأي الأكثر ومنهم الشيخ كاشف الغطاء وصاحب الفصول وشريف العلماء وصاحب الجواهر والمحقق العراقي والإمام الخميني والسيد السيستاني والشيخ الوحيد

القول الرابع التفصيل بين التقليد الإبتدائي فلايجوز والبقائي فيجوز في خصوص المسائل التي تعلمها ولم ينسها وذهب لهذا الرأي جماعة منهم السيد الخوئي

القول الخامس التفصيل بين التقليد الإبتدائي فلايجوز والبقائي فيجوز في خصوص المسائل التي عمل بها

النقطة الثالثة : الأدلة على عدم جواز تقليد الميت ابتداء

ذهب المشهور إلى عدم جواز تقليد الميت ابتداءً وقد ذكروا عدة أدلة لذلك أهمهامايلي :

الدليل الأول الإجماع

ادعى غير واحد من علمائنا الإجماع على عدم جواز تقليد الميت وإليك بعض كلماتهم :

١– الشهيد الأول (( وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت ؟ ظاهر العلماء المنع منه محتجين بأنه لاقول له ولهذا انعقد الإجماع مع خلافه ميتاً ))الذكرى ص٤٤

٢– صاحب المعالم ((وهل يجوز العمل بالرواية عن الميت ؟ ظاهر الأصحاب الإطباق على عدمه ))

ص٢٤٧

٣– الشهيد الثاني (( وفي جواز تقليد المجتهد الميت مع وجود الحي أو لا معه ؟ للجمهور أقوال أصحها عندهم جوازه مطلقاً … والثاني لايجوز مطلقاً لفوات أهليته بالموت وهذا هو المشهور بين أصحابنا خصوصاً المتأخرين منهم بل لانعلم قائلاً بخلافه ممن يعتد بقوله )) منية المريد ص ١٦٧

٤صاحب الجواهر ((مع أن عدم جوازه ابتداءً مفروغ منه بين أصحابنا وقد حكى الإجماع عليه غير واحد ))الجواهر ج٢١ ص٤٠٢

٥– السيد محسن الحكيم (( فإن الحاكين للإجماع وإن كانوا جماعة خاصة لكن تلقي الأصحاب لنقلهم له بالقبول من دون تشكيك أو توقف من أحد وتسالمهم على العمل به يوجب صحة الإعتماد عليه ولاسيما مع كون نقلة الإجماع المذكور من أعاظم علمائنا وأكابر فقهائنا ))المستمسك ج١ ص ٢٣

ويلاحظ عليه

أولاً

لو لم نناقش في دلالة هذه الكلمات على ثبوت الإجماع ولم نناقش في كونه إجماعاً منقولاً فإنه يمكن المناقشة في أصل تحقق الإجماع إذ من أين يعلم الإجماع مع أن القدماء لم يتعرضوا للمسألة نفياً أو إثباتاً ؟ بل أن جملة من الأعلام كالإخباريين وبعض الأصوليين كالفاضل التوني والمحقق القمي وغيرهم ذهبوا للجواز ولاعبرة بقول البعض بأن مخالفة الإخباريين والقمي غير ناقضة لتحقق الإجماع

وثانياً

نقول من هم هؤلاء الأعلام المجمعون ؟ إن كان المتأخرين فإجماعهم غير مجدي لعدم كشفه عن رأي المعصوم إلا لو بنينا على حجية الإجماع بقاعدة اللطف أو بالملازمة العادية أو الملازمة الحدسية في استكشاف رأي المعصوم من تحقق الإجماع في عصر من العصور ولو كان عصراً متأخراً وجميع هذه المباني غير تامة كما هو المحقق في موضعه

وإن كان المتقدمين فإنهم لم يبحثوا المسألة بل أن جملة منهم ذهبوا لحرمة التقليد من الأساس كإبن زهرة وغيره من الحلبيين فكيف تحقق الإجماع منهم ؟

وثالثاً

على فرض تحقق الإجماع فهو محتمل المدركية لوجود مجموعة من الأدلة استدل بها المانعون

وبالتالي لايصلح الإجماع كدليل

الدليل الثاني :

ماذكره جماعة كالفاضل التوني والمحقق الكركي وحاصله في مقدمات :

المقدمة الأولى لا إشكال في لزوم تقليد الأعلم

المقدمة الثانية لا إشكال في وجود اختلاف في المسائل الفقهية بين الأحياء والأموات

المقدمة الثالثة لو قلنا بجواز تقليد الميت فيلزم تقليد الأعلم من الأحياء والأموات وهو موجب للعسر والحرج

والنتيجة من هذه المقدمات

أنه لو قلنا بلزوم تقليد الأعلم من الأحياء والأموات يلزم العسر والحرج على المكلف وذلك لعدم قدرته على تشخيص الأعلم من جميع الأعلام الماضين والباقين وحيث إن التالي وهو لزوم العسر الحرج باطل فالمقدم مثله وهو لزوم تقليد الأعلم من الأحياء والأموات بل يلزم تقليد أعلم الأحياء فقط

ويلاحظ عليه

أولاً

لوسلمنا بقاعدة نفي الحرج ولم نناقش فيها بما أفاده صاحب المنتقى فان الظاهر أن المستفاد من أدلة العسر والحرج هو العسر والحرج الشخصي لا النوعي كماذهب لذلك جماعة كالآشتياني في كتاب القضاء ص١٩٥وكالسيد الخوئي في كتاب الطهارة ج٥ ص ١٥٧ وبناءً على ذلك نقول إن المسألة تختلف بإختلاف الأشخاص فمن يقع في العسر والحرج فهو الذي لايجوز له أو لايجب عليه تقليد الميت وأما من يتمكن من تشخيص الأعلم من الأحياء والأموات فيلزمه ذلك وبالتالي فهذا الدليل لايصلح للسلب الكلي

وثانياً

حتى لو قلنا بأن المستفاد من أدلة العسر والحرج هو العسر والحرج النوعي فمع ذلك يمكن القول بأنه لايلزم العسر على نوع المكلفين في تشخيص الأعلم من الفقهاء الأحياء والأموات القريبين من عصرهم وإنما يلزم ذلك لو قلنا بلزوم تقلييد الأعلم في جميع العصور وبناءً على ذلك نقول مادام لايلزم الحرج النوعي في تحديد الأعلم في دائرة الأحياء والأموات القريبين من عصرهم فيلزم تشخيص الأعلم في هذه الدائرة فلم يتم الدليل للمنع من تقليد الميت ابتداءً

وثالثاً

إنه لو فرضنا لزوم العسر والحرج فهو يلزم حتى في الفقهاء الأحياء أحياناً وعليه فإن قلنا بأنه لايجب تقلييد الأعلم من الأحياء عند العسر فلنقل بذلك أيضاً في حق الأموات فنكتفي بإحتمال الأعلم من الجميع ومع التعذر فنكتفي بتقلييد أي فقيه ولو ميتاً فتدبر جيداً

الدليل الثالث :

ماأشار له البعض وحاصله في مقدمات :

المقدمة الأولى لا إشكال في أنه لو تبدل رأي الفقيه يلزم الأخذ برأيه الأخير

المقدمة الثانية لا إشكال في أن الفقيه إذا مات ينكشف له الواقع ومواطن خطأه وبالتالي سوف يتبدل رأيه لو كان خاطئاً

المقدمة الثالثة لاطريق لنا لمعرفة رأي الفقيه بعد موته وتبدل رأيه

والنتيجة من هذه المقدمات حيث إنه لايمكننا الوصول إلى رأي الفقيه بعد موته إذاً فلامعنى لجواز تقليده مع عدم المعرفة برأيه

ويلاحظ عليه :

أولاً

ليس من الضرورة أن يتبدل رأي الفقيه بموته بل قد يكون رأيه موافقاً للواقع

وثانياً

على فرض تبدل رأيه فإن ماقام عليه الدليل من لزوم اتباع الرأي المتأخر للفقيه مختص بحال حياته ولايشمل ذلك رأيه بعد موته

وثالثاً

هذا مبني على أن حجية رأي الفقيه ترتكز على وجود رأيه حدوثاً وبقاءً وهو محل منع ونظر كما سيأتي فارتقب

الدليل الرابع :

ماذكره جمع من الأعلام كالمحقق الثاني والسيد الخوئي وحاصله في مقدمات :

المقدمة الأولى لاشك في وجوب تقليد الأعلم

المقدمة الثانية لاشك في وجود اختلاف بين المتقدمين والمتأخرين في الفتاوى

المقدمة الثالثة لو قلنا بجواز تقليد الميت ابتداءً فيلزم تقليد الأعلم من الأحياء والأموات

والنتيجة من هذه المقدمات هو لزوم أن يكون لدى الإمامية فقيهاً واحداً كالطوسي مثلاً فيكون هو الرئيس لجميع الطائفة ويجب على جميع الشيعة الرجوع إليه فيكون إماماً ثالث عشر وهذا معلوم البطلان بالضرورة إذ ليس لأحد هذا المقام وهذه المركزية إلا المعصومون عليهم السلام وهذا يكشف عن عدم جواز تقليد الميت

ويلاحظ عليه

أولاً

أن هذا الفرض غير واقعي وذلك لأنه من الممتنع عادةً أن يكون فقيهاً أعلم على مر العصور مع تطور العلوم والمعارف ومع التجدد المستمر في علم الأصول والفقه فلابدبحسب العادة بأن يأتي من هو أعلم ممن مضى في كل مرحلة زمنية وهكذا وبالتالي لايلزم الإجتماع على فقيه واحد

وثانياً

لاشك من وجود اختلاف بين الأعلام فضلاً عن العوام في تشخيص الأعلم إذ من المستبعد جداً أن يجتمع جميع الناس على كلمة واحدة في تشخيص الأعلم مع اختلاف نظراتهم وإدراكاتهم ولذا فقد ذهب البعض لأعلمية الشيخ والبعض لأعلمية الشهيد الأول والبعض لأعلمية المحقق الثاني

وثالثاً

على فرض وجود من هو أعلم من الجميع فإنه بعد موته تتجدد المسائل فيحتاج العوام لفقيه آخر يرجعون إليه ولو في خصوص المسائل المستجدة وبالتالي لم يجتمع الناس على فقيه واحد إلا في بعض المسائل وهذا غير مؤثر بل قد تحقق ذلك في بعض الحقب الزمنية كما في رجوع الطائفة للشيخ الطوسي لمدة مائتين سنة كما قيل

الدليل الخامس :

ماأشار له بعض الأعلام كما في البحث المنسوب للسيد السيستاني

وهو مارواه الصدوق في العلل عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن يعقوب السراج قال ((قلت لأبي عبدالله ع يبقي الأرض بلا عالم حي ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم قال إذاً لايعبد الله ياأبا يوسف ))

بتقريب أن عبادة الله عزوجل تتحقق بالرجوع إلى العالم الحي وهذا عبارة أخرى عن كون الحجية لخصوص فتوى العالم الحي الظاهر

ويلاحظ عليه

أولاً

من المحتمل جداً أن يكون المقصود بالعالم الحي في الرواية هو الإمام المعصوم ويشهد لذلك

أن هذه الرواية نفسها وردت في بصائر الدرجات عن يعقوب السراج نفسه وفيها ((من عالم منكم حي ظاهر تفزع إليه الناس )) وبالتالي فحتى لو ناقشنا في سند رواية البصائر أو في أصل الكتاب كما ناقش البعض في الكتاب إلا أن نفس هذه الرواية تصلح أن تشكل مانعاً من الوثوق برواية العلل إذ لايحرز والحال هذه أن المقصود بالعالم الحي هو الفقيه

وثانياً

على فرض أن المقصود بالعالم الحي الذي يفزع إليه الناس هو الفقيه فمع ذلك لادلالة على عدم جواز تقليد الميت بل أقصى ماتفيده الرواية الرجوع إلى الحي في المسائل المستحدثة وهذا لانزاع فيه

الدليل السادس :

مااختاره جماعة من الأعلام كصاحب الكفاية والسيد السيستاني في البحث المنسوب له وهو مؤلف من مقدمتين :

المقدمة الأولى أن الأدلة الدالة على جوازالتقليد قاصرة شمولاً لما إذا كان المقلد ميتاً

المقدمة الثانية مع قصور الأدلة فإننا نشك في جواز تقليد الميت والشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية وعليه يحكم بعدم حجية قول الميت

وهذا الدليل إنما يتم لو لم تنهض أدلة تقليد الميت ابتداءً وهذا ماسوف نبحثه لاحقا

والمتحصل أنه لم ينهض دليل على المنع فلابد من البحث في أدلة المجوزين وإلا فالأصل عند الشك في الحجية هو العدم

النقطةالرابعة : الأدلة على جواز تقليد الميت ابتداءً

استدل القائلون بالجواز بعدة أدلة والمهم منها مايلي :

الدليل الأول :

ماذكره جمع من الأكابر وهو الإستدلال بالإطلاقات وتقريب ذلك في مقدمتين :

المقدمة الأولى :

إن لدينا مجموعة من الأدلة القرآنية والروائية التي تدل على حجية فتوى الفقيه فمن القران مثلاً

1– آية النفر ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ))التوبة 122

٢– آية الذكر ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون )) النحل 43

ومن الروايات مثلاً

1– الرواية المنسوبة للإمام العسكري عليه السلام (( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه وذلك لايكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم )) تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص١٢٠ الإحتجاج ص٤٥٧

2– التوقيع المنسوب للناحية المقدسة (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم ))كمال الدين ص ٤٨٤ الغيبة ص٢٩

المقدمة الثانية :

إن هذه الأدلة مطلقة فلم تخصص حجية الفتوى بحياة المفتي بل هي شاملة لحال الحياة وحال الموت فنتمسك بإطلاقها لإثبات حجية فتوى الفقيه بعد موته

والنتيجة من هاتين المقدمتين جواز تقليد الميت ابتداءً

وقد أشكل على هذا الدليل بعدة إشكالات منها مايلي :

الإشكال الأول :

ماذكره السيد الخوئي وتقريبه في مقدمتين :

المقدمة الأولى لاريب في وجود الإختلاف بين فتاوى الأحياء والأموات

المقدمة الثانية إن الإطلاقات لا تشمل الفتاوى المتعارضة لأنه يلزم من شمولها الجمع بين المتنافيين

ونتيجة ذلك عدم شمول هذه الإطلاقات لفتاوى الفقيه الميت عند معارضتها لفتاوى الفقيه الحي

ويلاحظ عليه

أولا

هذا الإشكال لايتم في موارد عدم الإختلاف وعليه لامانع من شمول الإطلاقات لفتوى الفقيه الميت في فرض عدم الإختلاف مع أن المفروض من كلامه عمومية الإشكال لكل تقليد ابتدائي للميت سواءً وجد اختلاف أم لا

وثانيا

بالنقض

وحاصله بأن هذا الإشكال يأتي حتى في فتاوى الفقهاء الأحياء إذ لاشك في وجود الإختلاف بينهم في الفتاوى وبالتالي فالإطلاقات لاتشمل موارد الإختلاف لأنه يلزم من ذلك الجمع بين المتنافيين كما أن هذا الإشكال عام لتقليد الميت ابتداءً أوبقاءً ولا يختص بالتقليد الإبتدائي

وثالثا

بالحل

وذلك بأن نقول :

إما أنه يوجد فقيه أعلم بين الأحياء والأموات فبتالي تكون الحجية عند الإختلاف لخصوص فتوى الأعلم فستكون هذه الإطلاقات مقيدة أومحفوفة بالمرتكز القائم على حجية خصوص فتوى الأعلم فلاتشمل فتوى غير الأعلم كي يقال بأن لازم الإطلاق هو شمولها للمتعارضين

وإما أنه لايوجد فقيه أعلم بل الفقهاء متساوون في الدرجة العلمية فهنا المرتكز قائم على الحجية التخيرية للمكلف فالحجية لأحدهما أو خصوص مايختاره المكلف سواءً كان الفقيه الحي أو الميت فلم يلزم الجمع بين المتنافيين فتدبر جيداً

الإشكال الثاني ما أشكل به جمع كالسيد الخوئي والسيد السيستاني في البحث المنسوب اليه وتقريبه في مقدمتين:

المقدمة الأولى :

إن ظاهر العناوين المأخوذة في هذه الأدلة كعنوان المنذر أو الفقيه أو المذكر هو الفعلية لأن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً لا الأعم من المتلبس بالفعل ومن انقضى عنه التلبس

المقدمة الثانية :

لا إشكال بأن الفقيه بعد موته لايصدق عليه عنوان الفقيه أو المنذر أو المذكر بل يقال كان فقيهاً وكان منذراً وكان مذكراً

ونتيجة هاتين المقدمتين عدم شمول هذه الإطلاقات للفقيه الميت لعدم صدق هذه العناوين عليه حال موته إلا مجازاً وهو بحاجة إلى قرينة

وقد أجيب عن هذا الإشكال بجوابين :

الجواب الأول :

ماذكره بعض الأعلام كالسيد القمي في مباني المنهاج وحاصله أن الفقيه لو أنذر ثم نام أو اغمي عليه فبلغ انذاره من لم يكن حاضراً في مجلس الإنذار فهل يمكن أن يقال بعدم اعتبار الإنذار بالنسبة إلى من لم يحضر في المجلس ؟ كلا فليكن الكلام في مقامنا وهو حال موت الفقيه من هذا القبيل فأي فرق بين النوم والإغماء والموت ؟

ويلاحظ عليه

بأنه قد ذكر علماء الأصول كما في الفصول الغروية والكفاية وغيرها بأن هناك أربعة أشكال في تلبس المشتق بالمبدأ

١– التلبس بنحو الفعلية وهذا من قبيل ضارب فهنا لايصدق المشتق إلا مع الضرب الفعلي

٢– التلبس بنحو الشأنية وهذا من قبيل المفتاح وهنا يصدق المشتق حقيقةً مادام للمفتاح شأنية الفتح ولو لم يفتح بالفعل

٣– التلبس بنحو الصناعة من قبيل نجار وهنا يصدق المشتق حقيقة مادامت صناعة النجارة موجودة لدى النجار ولو تتحق النجارة في الخارج

4– التلبس بنحو الملكة من قبيل الإجتهاد والفقاهة وهنا يصدق المشتق حقيقةً مادامت الملكة موجودةً ولو لم يمارسها الفقيه بالفعل لأجل النوم أو الإغماء أو الغفلة

ومقامنا من قبيل الرابع فنقول النوم والإغماء القصير كساعة مثلاً لا يمنع من صدق عنوان الفقيه والمنذر بالفعل وذلك لوجود الملكة وأما الموت والإغماء الطويل كأسبوع مثلاً فلايعلم بقاء تلك الملكة وبالتالي لايحرز صدق عنوان الفقيه والمنذر بالفعل فهذا الجواب غير تام

الجواب الثاني

ماذكره بعض الأعلام كالحكيم السبط وحاصله

سلمنا بأن المشتق حقيقة في المتلبس بالفعل إلا أن هذا لاربط له بمحل بحثنا وذلك لأن أقصى مايظهر من هذه الأدلة أن المناط في حجية الفتوى هوصدق عنوان المنذر والفقيه وقت صدور الفتوى لا وقت العمل والميت وقت صدرو الفتوى كان فقيهاً ومنذراً ومذكراً بالفعل وهذا الجواب تام فلايرد هذا الإشكال

الإشكال الثالث :

مايخطر في الذهن القاصر ويلوح من كلمات بعض المحققين وحاصله

أن هذه الأدلة المطلقة على قسمين :

القسم الأول

ماهو تام من ناحية الصدور لكنه غيرتام من ناحية الدلالة وهذا كآية النفر وآية الذكر

أما الآيتان فإنهما أجنبيتان عن حجية الفتوى وفاقاً لجمع من الأعاظم كالسيد الإمام والسيد السيستاني

وذلك لوجود عدة شواهد وقرائن تدل على عدم ارتباط الآيتين بحجية الفتوى وليس المقام متسعاً للخوض في ذلك إلا أنه على سبيل الإجمال والإختصار نذكر قرائن ثلاث :

القرينة الأولى السياق القراني

من خلال الملاحظة في سياق آية النفر وبالنظر لسبب نزولها يتضح بأنها ناظرة لبيان عدم مطلوبية الجهاد على جميع المسلمين وأن المطلوب هو أن ينفر من كل فرقة جماعة لأجل التفقه في المعارف الدينية أصولاً وفروعاً ثم يبلغوا هذه المعارف التي تعلموها من النبي صلى الله عليه واله لأقوامهم فهي إلى حجية قول المخبر أقرب منها إلى حجية قول الفقيه

وأما آية الذكر فسياقها واضح في نظرها لأصول المعارف لا فروعها ولذا أمرت بسؤال أهل الذكر والمقصود بهم بحسب السياق القراني هم علماء النصارى

القرينة الثانية الظهور القراني

إن الظاهر من الآيتين مطلوبية حصول العلم عند الإنذار وعند سؤال أهل الذكر بقرينة قوله تعالى

((لعلهم يحذرون ))وقوله ((إن كنتم لاتعلمون ))

فكأنما المطلوب من خلال الإنذار هو الحذر عند حصول العلم ولذا قال ((لعلهم )) وكأنما المطلوب من خلال سؤال أهل الذكر هو حصول العلم بالسؤال ولذا قال ((إن كنتم لاتعلمون ))

وإن أبيت عن هذا الظهوفلا أقل من عدم إحراز الإطلاق في لزوم الأخذ بقول المنذر والمذكر لصورة عدم حصول العلم وهذا شاهد على عدم ارتباط الآيتين بحجية الفتوى وإلا للزم الأخذ بقول المنذر والمذكر مطلقاً سواءً وجب من قولهما حصول العلم أم لا

القرينة الثالثة النص الإمامي

لو رجعنا للروايات نجدها تصلح لمنع استفادة حجية فتوى الفقيه من هاتين الآيتين

فمن جملة الروايات

معتبرة يعقوب بن شعيب (( قلت لأبي عبدالله عليه السلام إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس ؟ قال أين قول الله عزوجل (( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذارجعوا إلسهم لعلهم يحذرون ))الكافي ج١ ص٣٧٨

و معتبرة الوشاء ((سألت الرضا عليه السلام فقلت له جعلت فداك فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ؟ فقال نحن أهل الذكر ونحن المسؤلون )) الكافي

القسم الثاني

ماهو تام من ناحية الدلالة إلا أنه ليس تاماً من ناحية الصدور كالرواية المنسوبة للإمام العسكري فهي وإن تمت دلالة إلا أنها ضعيفة السند للإرسال

وهكذا التوقيع المنسوب للناحية المقدسة فهو وإن أمكن تتميم دلالته إلا أنه ضعيف السند بإسحاق بن يعقوب

والمتحصل من ذلك عدم تمامية الإطلاقات لإثبات حجية فتوى الفقيه بعد موته والجابرية غيرمتحققة في المقام بعدعدم وضوح رأي المشهورمن القدماء في المسألة

الدليل الثاني :

روايات الإرجاع وتقريب الإستدلال في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى :

توجد عدة روايات تدل على إرجاع الأئمة عليهم السلام شيعتهم لبعض الرواة فمن جملة هؤلاء

الرواة بحسب التسلسل الزمني :

١– أبان بن تغلب

ففي الرواية عن الباقر عليه السلام قال له (( اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك ))رجال النجاشي ص٥٧

٢– محمد بن مسلم

ففي الرواية المعتبرة عن ابن أبي يعفور (( قلت لأبي عبدالله إنه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجال من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه قال فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيهاً )) رجال الكشي ج١ ص ٣٨٣

٣– معاذ بن مسلم

ففي الرواية عن معاذ بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال لي (( بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس قال قلت نعم وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج إني أقعد في الجامع فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون ويجيء الرجل أعرفه بحبكم أو بمودتكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك قال فقال لي اصنع كذا فإني اصنع كذا )) رجال الكشي ج٢ ص ٥٢٢

٤– أبو بصير

ففي الرواية المعتبرة عن شعيب العقرقوفي قال (( قلت لأبي عبدالله ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فممن نسأل ؟ قال عليك بالأسدي يعني أبابصير )) رجال الكشي ج١ص٤٠٠

٥– يونس بن عبدالرحمان

ففي الرواية المعتبرة عن عبدالعزيز بن المهتدي قال (( سألت الرضا عليه السلام فقلت إني لا ألقاك في كل وقت فعن من آخذ معالم ديني ؟ قال خذ من يونس بن عبد الرحمان )) رجال الكشي ج٢ ص٧٧٩

٦– زكريا بن آدم

ففي الرواية عن علي بن المسيب قال (( قلت للرضا شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني ؟ قال من زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا )) رجال الكشي ج٢ ص ٨٥٨

٧– العمريان

ففي الروية المعتبرة عن أحمد بن إسحاق عن العسكري عليه السلام (( العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان )) الكافي ج١ ص ٣٢٩

المقدمة الثانية :الإطلاق في المؤدى

والمقصود بالإطلاق في المؤدى هو أن هذه الروايات مطلقة فتشمل ماإذا كان مايؤديه هؤلاء الرواة نفس الألفاظ التي سمعوها من الإمام عليه السلام فيكون ذلك من باب الإخبار أو ماوصل إليه نظرهم من الجمع بين الروايتين المتعارضتين أو حمل المطلق على المقيد أو التمسك بالعام عند الشك في التخصيص فيكون من باب الإجتهاد والإستنباط

المقدمة الثالثة الإطلاق الأزماني

والمقصود بالإطلاق الزماني هو أن هذا الإرجاع لهؤلاء الرواة مطلق لايختص بحال حياتهم بل يعم مابعد مماتهم

المقدمة الرابعة عدم الخصوصية

والمقصود بذلك هو أنه من المستبعد أن تكون هناك خصوصية لهؤلاء الرواة فهم ليسوا إلا من باب المثال وموقع سؤال الأصحاب وإلا فالمدار على الفقاهة

والنتيجة من هذه المقدمات أنه يستفاد من روايات الإرجاع حجية فتوى الفقيه الميت فيجوز تقليده ابتداءً

وقد يشكل على هذا الدليل بعدة اشكالات :

الإشكال الأول ما أشكل به الإخباريون و ملخصه في ثلاث مقدمات :

المقدمة الأولى النهي عن الفتوى بالعقل

وردت عدة نصوص شرعية تنهى عن القياس وإصابة الدين بالعقول ونذكر منها ثلاث روايات

١معتبرة أبي بصير (( قلت لأبي عبدالله عليه السلا ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها ؟ فقال لا أما إنك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على الله عزوجل )) الكافي ج١ ص٥٦

2- معتبرة أبان بن تغلب عن أبي عبدالله عليه السلام (( إن السنة لا تقاس ألا ترى أن المرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان إن السنة إذا قيست محق الدين )) الكافي ج١ ص ٥٧

٣-معتبرة أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام (( إن دين الله لايصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ولا يصاب إلا بالتسليم لنا فمن سلم لنا سلم ومن اهتدى بنا هدي ومن دان بالقياس والرأي هلك )) كمال الدين ص٣٢٤

المقدمة الثانية الإختلاف في الإجتهاد

إن الإجتهاد في عصر الأئمة عليهم السلام يختلف عن الإجتهاد في هذا العصر وذلك لأن الإجتهاد في ذلك العصر كان يعتمد على قضايا عرفية كحجية خبر الثقة وحجية الظهور وعلاج الأخبار المتعارضة وماشاكل من الأمور العرفية ولم يكن مشتملاً على هذه القواعد الأصولية العقلية كمبحث اجتماع الأمر والنهي ومبحث الضد ومبحث استحالة أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر واستحالة اشتراط الحكم بالعلم به وكمبحث التقابل بين الإطلاق والتقييد في عالم الثبوت وكمبحث استصحاب العدم الأزلي والإستصحاب التعليقي وغيرها من الأمور العقلية التي لم تكن متداولة ً لدى فقهاء عصر النص كمحمد بن مسلم وأبي بصير ويونس بن عبد الرحمان وغيرهم

المقدمة الثالثة الإمضاء الشرعي

إن ما أقره وأمضاه الشارع من الإجتهاد هو اجتهاد أمثال أبان بن تغلب ومحمد بن مسلم و يونس بن عبدالرحمان وهو اجتهاد لم يكن مشوشاً أو مشوباً بهذه المباحث العقلية والفلسفية التي نراها اليوم فلم يمضي الشارع هذا الإجتهاد المعاصر المشتمل على العقليات والفلسفيات

ونتيجة هذه المقدمات هو أننالانستطيع من خلال روايات الإرجاع التعدي وإلغاء الخصوصية لفقهاء عصر النص وذلك لأن اجتهادهم يختلف عن اجتهادنا فإجتهادهم قد أمضاه الشارع وأقره وأما اجتهادنا فقد نهى عنه لكونه مشتملاً على إعمال العقل وإن شككنا في النهي عنه فلا أقل بأنه لم يحرز إمضاءه ومع الشك في حجيته فالأصل هو عدم الحجية وبالتالي لايصح الإستدلال بروايات الإرجاع على تقليد الفقيه في هذا العصر حياً أو ميتاً

ويلاحظ عليه

أولاً

إن الأحكام العقلية تنقسم إلى قسمين :

القسم الأول أحكام عقلية ظنية

ومن ذلك القياس والإستحسان والمصالح المرسلة وغيرها مما كان يعتمد عليه العامة في الإستنباط

القسم الثاني أحكام عقلية قطعية

كإستحالة اجتماع النقيضين وكوجوب المقدمة عند وجوب ذيها وكالأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام وغيرها

وهذه النصوص الناهية عن العمل بالعقل إنما تنهى عن العمل بأحكام العقل الظنية لا القطعية بقرينة نظرها إلى ماعليه عمل العامة من القياس والرأي وبناءً على ذلك يتضح بأنها لاتنهى عن هذا الإجتهاد المعاصر لأنه لايعتمد على أحكام العقل الظنية وإنما على أحكامه القطعية

وثانياً

إن روح الإجتهاد في هذا العصر هي نفسها روحه في عصر النص غاية الأمر أن الإجتهاد في هذا العصر قد اتسع واحتاج لمقدمات أكثر لطبيعة البعد عن عصر النص وممايدلل على ذلك عدة أمور نذكر ثلاثاً منها :

الأمر الأول الإشتراك في قواعد الإستنباط

إن قواعد الإستنباط التي كان يعمل بها فقهاء عصر النص هي ذاتها القواعد التي يعمل بها فقهاء عصرنا ويمكننا أن نقسم هذه القواعد إلى ثلاثة أصناف :

الصنف الأول القواعد العقلائية

ومن ذلك حجية خبر الثقة وحجية الظهور

الصنف الثاني القواعد الشرعية

ومن ذلك البراءة والإستصحاب ومرجحات باب التعارض

الصنف الثالث القواعد العقلية

ومن ذلك استحالة اجتماع الأمر والنهي ووجوب المقدمة عند وجوب ذيها

الأمر الثاني عمومية القضايا العقلية

إن القضايا العقلية كقضية استحالة اجتماع الأمر والنهي وقضية الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام وقضية إذا وجب ذو المقدمة وجبت المقدمة وغيرها هي عبارة عن قواعد عقلية بديهية موجودة في كل عقل ولاتختص بعقول مجتهدي هذا العصر فهي موجودة في عقل أبان بن تغلب ومحمد بن مسلم وأبو بصير

الأمرالثالث :عراقة البحث الأصولي

حينما نراجع تراجم أصحاب الأئمة عليهم السلام نجد أن بعضهم قد ألفوا كتباً في أصول الإستنباط

فمثلاً كتب ابن أبي عمير المتوفى عام ٢١٧ ويونس بن عبدالرحمان المتوفى عام ٢٠٨ كتاباً في علاج الحديثين المختلفين وكتبا أيضاً في العام والخاص والناسخ والمنسوخ وكذلك حينما نأتي للعصر القريب من النص نجد مجموعةً من المصنفات الأصولية كالتذكرة للمفيد والذريعة للمرتضى والعدة للطوسي وغيرها

وهي تحتوي على بعض القواعد العقلية وماهذا إلا امتداد من البحث والتصنيف الأصولي المتبلور لدى فقهاء عصر النص

وبناءً على ذلك يتضح بأن اجتهاد هذا العصر كان ممضاً ومقبولاً لدى الشارع لأنه نفس الإجتهاد السابق وإن اختلف في السعة والضيق

وثالثاً

على فرض أن بعض المجتهدين في هذا العصر قد أقحموا مطالب فلسفية أو عقلية ظنية في عملية الإستنباط من قبيل قاعدة الواحد لايصدر إلا من واحد أو قاعدة المتنجز لا يتنجز أو الساقط لايعود أو إذا سقط الجزء سقط المركب وغيرها مما هي أشبه بالإستحسانات فنقول غاية ذلك هو عدم حجية هذه الفتاوى المعتمدة على هذا النمط من الإستنباط وهذالايلغي حجية الفتاوى الأخرى التي لاتعتمد على الظنون العقلية

ورابعاً

إن هذا الدليل أخص من المدعى فهو لايمنع من تقليد الميت ابتداءً بشكل مطلق بل في خصوص الفقيه الذي يعمل بالظنون العقلية وهذا أمر مقبول وليس هو محل كلامنا

الإشكال الثاني ماذكره البعض وأشار له السيد الإمام وحاصله في مقدمتين :

المقدمة الأولى معاصرة الرواة للمعصومين

إن هؤلاء الرواة الذين أرجع لهم المعصومون عليهم السلام كمحمد بن مسلم وزكريا بن آدم وأضرابهما كانوا معاصرين للأئمة عليهم السلام وتتلمذوا على أيديهم وأخذوا الأحكام منهم مشافهةً وهذه ميزة تميزهم على غيرهم من الفقهاء

المقدمة الثانية ملازمة المعاصرة للأحكام الواقعية

إن معاصرة هؤلاء الرواة للمعصومين تستلزم عادةً أن تكون فتاواهم فتاوى واقعية لا ظاهرية حيث إنهم يأخذونها من المعصوم يداً بيد أو يراجعونه فيما يصل إليه نظرهم ليبين لهم الحكم الواقعي فيها ولا أقل من أننا لانحرز أن فتاواهم كانت فتاوى ظاهرية

والنتيجة من هاتين المقدمتين أننا لانتمكن من إلغاء الخصوصية حتى نعمم روايات الإرجاع لجميع الفقهاء وذلك لأن فقهاء هذا العصر مثلاً يفتون بالأحكام الظاهرية لا الواقعية

ويلاحظ عليه

أولاً

سلمنا بأن هؤلاء الرواة يتميزون على فقهاء هذا العصر بقربهم من المعصومين عليهم السلام وتتلمذهم علىيهم إلا أننا لانسلم بأن جميع فتاواهم هي من قبيل الأحكام الواقعية بل أقصاه أن قسماً كبيراً منها قد يكون واقعياً ويشهد لذلك عدة أمور نذكر بعضاً منها :

الأمر الأول روايات التفريع

وردت عن المعصومين مجموعة من النصوص تتيح الفرصة لفقهاء عصر النص بالتفريع عن الأصول والقواعد الكلية التي يلقونها لهم ولعل من جملة هذه الأصول الإستصحاب والبراءة وهذا يناسب أن تكون هذه التفريعات في ظرف الشك بالحكم الواقعي فتكون نتيجة هذا التفريع حكماً ظاهرياً لا واقعياً ومن هذه النصوص :

١– عن ابن إدريس نقلاً عن كتاب البزنطي عن الرضا عليهم السلام (( علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع )) السرائر ص ٤٧٧

2-عن ابن إدريس نقلاً عن كتاب هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام ((إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا ))السرائر ص٤٧٧


الأمر الثاني العمل بظواهر القران

توجد عدة شواهد على عمل فقهاء عصر النص بظواهر القران بل أن الأئمة عليهم السلام كانوا يعلمونهم كيفية الإستظهار من القران والإستنباط منه ومن الواضح بأن الأخذ بظواهر الكتاب حكم ظاهري لا واقعي ومن جملة الروايات الدالة على ذلك :

١– معتبرة عبدالأعلى مولى آل سام قال (( قلت لأبي عبدالله عليه السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل ماجعل عليكم في الدين من حرج ))

الكافي ج٣ ص ٣٣

2- معتبرة زرارة (( قلت لأبي جعفر عليه السلام ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين ؟ فضحك ثم قال يازرارة قال رسول الله صلى الله عليه واله ونزل به الكتاب من الله لأن الله عزوجل يقول فاغسلوا وجوهكم فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل ثم قال وأيديكم إلى المرافق ثم فصل بين الكلام فقال وامسحوا برؤوسكم فعرفنا حين قال برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء )) الكافي ج٣ ص ٣٠


الأمر الثالث موارد فقدان النص

إن فقهاء عصر النص كانوا يسألون في بعض الأحيان عن مسائل لايعلمون حكمها لعدم وجود نص خاص لديهم فيها فكانوا يرجعون لمعرفة حكمها أو لمعرفة الوظيفة الشرعية فيها إلى القواعد الكلية التي بحوزتهم وهذا حكم ظاهري ويشهد لذلك عدة روايات منها :

١– مارواه السياري (( عن ابن أبي ليلى أنه سأل محمد بن مسلم أي شيء تروون عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة لايكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيباً ؟ فقال له محمد بن مسلم أما هذا نصاً فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى الله عليه واله كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب

فقال له ابن أبي ليلى حسبك ))الكافي ج٥ ص ٢١٥

الأمر الرابع موارد تعارض الأخبار

إن الأئمة عليهم السلام قد عينوا لفقهاء عصرهم مجموعة من المرجحات أو المميزات لعلاج الأخبارالمتعارضة كموافقة الكتاب ومخالفة العامة وموافقة المشهور والأحدث وغيرها وهذه المرجحات أو المميزات لاتوصل إلى الحكم الواقعي دائماً بل هي أحكام ظاهرية

والمتحصل من ذلك عدم تمامية هذا الإشكال نعم يمكن قبول ذلك في حق العمريين وبعض الكتب التي صححها المعصوم عليه السلام ككتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمان ولايمكن تعميمه لجميع فقهاء عصر النص

الإشكال الثالث ماذكره جماعة كالسيد السيستاني في البحث المنسوب له وحاصله

إن المقدمة الثالثة وهي الإطلاق الأزماني غير تامة وذلك لأن الظاهر من الإرجاع في هذه النصوص هو الإرجاع لهؤلاء الرواة في حال حياتهم وإن أبيت عن ذلك فلا أقل من أنه لايحرزالإطلاق لما بعد مماتهم وذلك لعدم كون الشارع في مقام البيان من هذه الجهة وبناءً على ذلك فلاشمول لهذه الروايات لفتوى الفقيه الميت

ويلاحظ عليه

أولاً

لا شاهد على اختصاص حجية فتوى هؤلاء الرواة بحال حياتهم ومجرد أن الإرجاع إليهم كان في زمن حياتهم لايصلح شاهداً على الإختصاص وذلك لأن الحياة هي ظرف للإرجاع وليست شرطاً في الإرجاع

وثانياً

لو سلمنا بعدم الإطلاق الزماني لحجية فتاوى هؤلاء الرواة لما بعد موتهم فإننا نتمسك بالإطلاق الأحوالي فإن لدينا إطلاقاً أحوالياً في المقام وهو أن الإمام عليه السلام أرجع لهؤلاء الرواة وأمر بالعمل بفتاواهم ولم يفصل بين العمل بفتواهم حال حياتهم أو حال مماتهم فإنه لو قبلنا بأن الإمام عليه السلام ليس في مقام البيان من ناحية الزمن إلا أنه لاشك بكونه في مقام البيان من ناحية العمل وحالاته وهو لم يقيد العمل بفتاوى هؤلاءالرواة بحال دون حال وعليه يثبت بالتالي جواز البقاء بالعمل بفتاواهم حال موتهم

وثالثاً

إن أبيت عن ذلك وقلت بأن الإطلاق الأحوالي كالأزماني غير محرز أو أنهما شيء واحد فإنه يمكن التمسك بعدم فهم العرف للخصوصية فإن عبدالعزيز بن المهتدي مثلاً الذي أمره الإمام بالرجوع ليونس وعلي بن المسيب الذي أمره الإمام بالرجوع لزكريا بن آدم لايحتملان أن لهما العمل بفتاوى يونس وزكريا في فترة حياتهما فقط فإذا ماتا فعليهما ترك العمل بما عملا به سابقاً بل إنهما سوف يبقيان على العمل بتلك الفتاوى وهذا هو التقليد البقائي

كما أنهما لايفهمان أن لهما العمل بهذه الفتاوى دون غيرهما بل سوف ينقلان هذه الفتاوى لأهاليهما ولأصحابهما ممن لم يعمل بفتاوى يونس وزكريا في حياتهما وهذا هو التقليد الإبتدائي

إذاً فيمكن من خلال هذا الفهم العرفي لعدم فهم الخصوصية دفع هذا الإشكال وهذا ما تشير له كلمات الحكيم السبط

إذاً فهذا الإشكال غير وارد

الإشكال الرابع :

ماذكره السيد الخوئي وحاصله إن هذه الروايات ظاهرة في إرادة الإرجاع إلى الحي لأنه لامعنى للإرجاع إلى الميت والأمر بالسؤال أو الأخذ منه وذلك لوضوح أن الإرجاع فيها إنما هو لهؤلاء الأشخاص بأنفسهم لا أن الإرجاع إلى فتاواهم ليقاس ذلك بالأخبار ويدعى أن الفتوى كالرواية لايفرق الحال في حجيتها بين أن يكون المفتي حياً أو ميتاً كما هو الحال في راوي الحديث إذ لاموضوع للإرجاع بعد موتهم

ويلاحظ عليه

أولاً

إن بعض هذه الروايات صريح في الفتوى ولاربط له بالأشخاص كما في أبان ((اجلس في الجامع وافت الناس )) وكما في معاذ بن مسلم (( إني اصنع كذا فاصنع كذا )) وبعضها صريح في معالم الدين كما في يونس ((فعن من آخذ معالم ديني ؟ خذها من يونس )) وكما في زكريا بن آدم (( فعن من آخذ معالم ديني خذها من زكريا بن آدم )) فلامعنى لحمل الإرجاع على نفس الأشخاص لا فتاواهم

وثانياً

لو فرضنا أن الإرجاع كان لنفس الأشخاص لا فتاواهم كما في محمد بن مسلم (( فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي )) وكما في أبي بصير (( عليك بالأسدي )) فإن مناسبة الحكم للموضوع تقتضي أن الإرجاع لهؤلاء لأجل فتاواهم وإلا فأي معنى للإرجاع لهم في أنفسهم مع أن السؤال عن الطريق للوصول للحكم

وثالثاً

ماذكره بأنه لامعنى للإرجاع والسؤال والأخذ من الميت فهذا صحيح ولكنه لاربط له بمحل الكلام لأن الإرجاع والسؤال وإن كان لايكون إلا في ظرف الحياة إلا أن ذلك لايعني انحصار حجية فتوى هؤلاء بحال حياتهم

الإشكال الخامس :

ماذكره جماعة كالحكيم السبط وحاصله بأنه من المحتمل جداً وجود خصوصية لهؤلاء الرواة عند الإمام ولذلك أرجع إليهم لما هو المعلوم من أن إرجاعهم عليهم السلام إنما يكون بلحاظ وثوقهم بدين الشخص ولبيان منزلته لديهم خصوصاً وأن جملةً من هؤلاء وقع موقع التشكيك من قبل بعض الناس كيونس والعمريين فتأمل جيداً تراه حقيقاً

وقد يجاب عنه بأنه لا نفهم خصوصية لهؤلاء الرواة وإن شئت فقل :

ان كانت الخصوصية انهم في مرتبة عليا من الدين، فلنقل بذلك ايضا في الفقيه الذي يجوز تقليدهلنشترط كونه في غاية التدين والوثاقةمثلا، هل نرى فرقا بين بعض هؤلاء الاشخاص الذين ارجع اليهم الامام وبين الشيخ الانصاري المعروف بتقواه وزهده؟ فغاية ما يفيده هذا الدليل هو تضييق دائرة حجية الفقيه، لا اكثر من ذلك.

وان كانت الخصوصية انهم كانوا عالمين عارفين بالحلال والحرام، وان الامام كان يثق بانهم لا يستعملون القياس وسائر الادلة العقلية الظنية، فهذا كله حاصل ومتوفر في المرجع ايضا، بل – في نظر البعض – ان فقهاء اليوم اعلم من اصحاب الائمة واقدر على الاسنتباط منهم!

وخلاصة القول انه ما هي هذه الخصوصية التي سوغت الارجاع لهم وجوزت لهم ؟

والجواب عن ذلك يتضح ببيان أمرين هامين :

الأمر الأول الإرجاع الخاص أو العام

هل الإمام في مقام الإرجاع العرفي أو الإرجاع الخاص بنظره ؟ يعني أن الإمام عليه السلام حينما أرجع لمحمد بن مسلم مثلاً هل لأن محمد بن مسلم فقيهاً وثقةً بالفقاهة والوثاقة العامة و المتعارفة عند العرف أو بالفقاهة والوثاقة الخاصة بنظر الإمام نفسه ؟ فإن كان إرجاعه لأجل الفقاهة العرفية فيمكن إلغاء الخصوصية والتعميم لكل فقيه وأما إن كان إرجاعه لأجل الفقاهة الخاصة بمنظوره عليه السلام فلايمكننا التعميم إلا لو أحرزنا بأن هذه الخصوصية التي أرجع لأجلها الإمام عليه السلام لمحمد بن مسلم موجودة ً في غيره والظاهر من روايات الإرجاع هو أن الإرجاع خاص بنظر الإمام عليه السلام كما يشهد لذلك المعتبرة عن ابن أبي يعفور (( قلت لأبي عبدالله إنه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ويجيء الرجال من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلما يسألني عنه قال فما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فإنه قد سمع من أبي وكان عنده وجيهاً )) رجال الكشي ج١ ص ٣٨٣

فقوله عليه السلام (( سمع من أبي وكان عنده وجيهاً )) تكشف عن أن الإرجاع لخصوصية يراها الإمام في نظره وليس المناط على المنظور العرفي خصوصا بملاحظة كلمة ( عنده )

الأمر الثاني ماهي هذه الخصوصية المحتملة

لانستطيع الجزم بحقيقة هذه الخصوصية إلا أننا نحتمل عدة احتمالات :

الإحتمال الأول شدة الورع

الإحتمال الثاني قوة ملكة الفقاهة

الإحتمال الثالث الأقربية للأحكام الواقعية

بمعنى أن هؤلاء الرواة كانت لديهم الأحكام الواقعية لا الظاهرية أو لا أقل بأن أكثر الأحكام التي عندهم كانت واقعية ولذلك أرجع لهم

الإحتمال الرابع جميع الإحتمالات السابقة

الإحتمال الخامس دفع التشكيك في مكانتهم وعلو قدرهم

ومع تعدد هذه الإحتمالات ماهو المعين لأحدها دون غيره ؟ و كيف نستطيع التعميم لغير هؤلاء ؟ ثم حتى لو أحرزنا أحد الإحتمالات المذكورة لكن كيف نحرز المرتبة والدرجة التي كانت منظورةً لدى الإمام عليه السلام حتى نعمم ؟

فلأجل ذلك نقول الغاء الخصوصية عن هؤلاء من الصعوبة بمكان

الدليل الثالث ماذكره السيد السيستاني في البحث المنسوب له وهو السيرة المتشرعية وتقريب ذلك في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى العمل المتشرعي

مما لا إشكال فيه أن سيرة المتشرعة وبناء الشيعة كان قائماً على تقليد الأموات فبعدما يموت فقيه لم يكن لديهم اهتمام بتعيين مرجع آخر من بعده كما هو الحال في هذه الأعصار بل كانوا يرجعون لهذا الفقيه الميت كالكليني والجعفي صاحب الفاخر وابن أبي عقيل ولايوجد أقل شاهد على تشويش المسألة لديهم كماهو الحال بالنسبة للنيابة الخاصة عن الإمام المنتظر أرواحنا له الفداء حيث كانت مشوشةً لديهم فكانوا يسألون عن النائب اللاحق بعد موت السابق

المقدمة الثانية الشواهد الواقعية

توجد عدة شواهد على رجوع المتشرعة للفقهاء الاموات منها :

١– كتاب يوم وليلة ليونس بن عبدالرحمن كان مرجع الشيعة بعد موته إلى زمن العسكري عليه السلام

2– أن السيد المرتضى أرجع الشيعة إلى كتاب علي بن بابويه وأجاز العمل برسالة علي بن بابويه بعد موت ابن بابويه مع أن فيها مايستبعد مطابقته لفتاوى المرتضى كقوله بمسح تمام الوجه ومسح تمام اليد من المرفق في التيمم

3– ماذكره في المعالم بأن العلماء كانوا مقلدةً للطوسي لسنين متمادية

المقدمة الثالثة حجية السيرة

بمعنى أن حجية السيرة مستمدة من خلال الشارع حيث إن المتشرعة إنما أخذوا هذا الحكم من الشارع يداً بيد وإن لم يكتبوا ذلك في رواية

ونتيجة هذه المقدمات جواز تقليد الميت ابتداءً

ويمكن الجواب عن هذا الدليل بجوابين :

الجواب الأول ماذكره السيد السيستاني وحاصله إن المسائل الفقهية تنقسم إلى قسمين:

1المسائل الأصلية

٢– المسائل التفريعية

والتقليد يكون في المسائل الفرعية المتجددة لا الأصلية ويشهد لذلك عدة أمور منها :

الأمر الأول :

التوقيع الصادر عن الناحية المقدسة عليه السلام (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها ))

فالإرجاع إنما هو في خصوص الحوادث الواقعة وهي عبارة عن المسائل التفريعية المتجددة وليست المسائل الأصلية

الأمر الثاني

إن المرتضى في كتاب الذريعة والمحقق في المعارج لم يذكرا باباً بعنوان التقليد بل ذكرا باباً بعنوان المفتي والمستفتي وهذا يؤيد أن الإستفتاء كان للمسائل الفرعية المتجددة فقط لا الأصلية وذلك لأنها لا تحتاج للإستفتاء فيها

الأمر الثالث

لم يكن المتشرعة يقلدون في المسائل الأصلية بل كانوا يأخذونها من أربعة طرق وهي :

١– الكتب المصححة من قبل الإمام ع ولو بعد موت مؤلفه ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي وكتاب يونس بن عبد الرحمن مضافاً إلى بعض الرسائل التي كانت تنسب للإمام ع مثل كتاب نخبة الإسلام

2– الإجماعات التي صرح بها الأعلام كالمرتضى في الإنتصار والطوسي في الخلاف

3- بعض المصنفين صرحوا بأن مافي كتبهم دين الإمامية أو مجمع عليه مثل

أ– ما أملاه الشيخ الصدوق على أهل مجلسه كما في الأمالي ص٥٧١

ب– كتاب الفاخر للجعفي

ج– كتاب الأعلام للمفيد

4– وجود مصنفات تجمع الأخبار المجمع عليها وتميزها عن غيرها فلقد كانت هناك دواع لجمع الأخبار المتفق عليها ويشهد لذلك :

أقوله ع (( خذ بالمجمع عليه بين أصحابك))

ب– قول المفيد في المسائل الرسية (( وللشيعة أخبار في الشرائع مجمع عليها من عصابة الحق ومختلف فيها للعاقل المتدبر أن يأخذ بالمجمع عليها كما أمر به الصادق ع ويقف في المختلف فيه ))

ج– قول المرتضئ (( إن معظم الفقه يعلم مذاهب أئمتنا بالضرورة والأخبار المتواترة ومالم يتحقق ذلك فيه ولعله الأقل يعول فيه على إجماع الإمامية ))

د– قول الحر العاملي في الوسائل (( إن أكثر أحاديثنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع على صحتها إما بالتواتر ))

والمتحصل من ذلك أنه لم يثبت بأن عمل المتشرعة في المسائل التفريعية على التقليد الإبتدائي ورجوعهم في المسائل الأصلية للفقهاء الموتى لم يكن من باب التقليد ولو كان من التقليد الإبتدائي فهو خاص في المسائل الإتفاقية ولايشمل موارد الإختلاف الذي لابد فيه من الرجوع للأعلم والذي هو محل بحثنا

ويلاحظ عليه

مع غمض النظر عن هذا التقسيم والشواهد المذكورة

أولاً

إن مجرد إثبات وجود مسائل أصلية لايحتاج المتشرعة للتقليد فيها لاينفي عملهم بفتاوى الأموات في المسائل الفرعية خصوصاً وأنه قد ذكر ثلاثة شواهد على ذلك ولم يتم منه علاجها بحسب البحث المكتوب

وثانياً

إن مجرد وجود مسائل أصلية وقد اتفق عليها الأعلام لايوجب ذلك بلوغها حد الضروريات التي لا تحتاج إلى تقليد خصوصاً مع غفلة العوام عن هذه الأصول ومصادرها

فهذا الجواب لا يخلو من التأمل

الجواب الثاني وهو الذي يخطر في الذهن

أولاً

على فرض التسليم بأن عمل المتشرعة كان على التقليد الإبتدائي فإنه لانحرز أن هذا العمل كان بما هم متشرعة فلعله كان بماهم عقلاء فإن العقلاء يعملون بآراء العالم في الطب أو النحو كما سيأتي وبناءً على ذلك فيرجع هذا الدليل إلى الدليل الرابع الذي سنذكره وليس دليلاً جديداً

وثانياً

على فرض أن عمل المتشرعة بما هم متشرعة لابما هم عقلاء فيرد عليه ما استفدناه من بعض مشايخنا الأكابر وحاصله

إما أن يراد بسيرة المتشرعة يعني سيرة عوامهم فنقول سيرة العوام ترجع لامحالة للعلماء فإنهم يأخذون أحكامهم من العلماء

أو يراد سيرة علمائهم فنقول على فرض تحقق ذلك فهي محتملة المدرك وأن تكون مستندةً للأدلة المذكورة لحجية فتوى الفقيه الميت

وبالتالي لاحجية لها كما هو الكلام في الإجماع المحتمل المدركية وذلك لأنه مع احتمال رجوع السيرة لأحد الأدلة المذكورة والتي لانراها تامةً فلاموجب لحجيتها فتدبر

الدليل الرابع :

روايات التصحيح وتقريب ذلك في مقدمات :

المقدمة الأولى :

وردت عدة روايات عن المعصومين عليهم السلام تصحح مجموعة من الكتب وفي بعضها الأمر بالعمل بما في تلك الكتب وفي بعضها تقرير العمل بتلك الكتب فمن هذه الكتب :

١– كتاب يونس بن عبد الرحمان

روى الكشي بسنده عن بورق البوشجاني قال (( خرجت إلى سر من رأى ومعي كتاب يوم وليلة فدخلت على أبي محمد عليه السلام ورأيته ذلك الكتاب وقلت له إن رأيت أن تنظر فيه وتصفحه ورقة ورقة فقال هذا صحيح ينبغي أن تعمل به )) رجال الكشي ج٢ ص ٨١٧

2- كتب بني فضال

روى الطوسي بسنده عن الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام (( أنه سئل عن كتب بني فضال فقال خذوا بمارووا وذروا ما رأوا )) الغيبة ص٣٨٩

3كتاب محمد بن أحمد بن خانبة

روى النجاشي بسنده عن الحسن بن محمد بن الوجناء قال (( كتبنا إلى أبي محمد عليه السلام نسأله أن يكتب لنا كتاباً نعمل به فأخرج لنا كتاب عمل قال الصفواني نسخته فقابل به كتاب ابن خانبه زيادة حروف أو نقصان حروف يسيرة )) رجال النجاشي ص ٢٥٥

4- كتاب عبيدالله بن علي الحلبي

ذكر النجاشي أن كتاب عبيدالله بن علي الحلبي عرضه على أبي عبدالله عليه السلام وصححه وقال عند قراءته(( أترى لهؤلاء مثل هذا ))رجال النجاشي ص٢٣١

5- كتاب حريز

الصدوق بسنده عن حماد بن عيسى أنه قال (( قال لي أبو عبدالله عليه السلام يوماً أتحسن أن تصلي ياحماد ؟ قال قلت ياسيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة قال فقال عليه السلام لا عليك قم صل )) من لايحضره الفقيه ج١ ص ٣٠٠

وقال في الوسائل (( فيه تقرير لحفظ كتاب حريز وروايته وماذاك إلا للعمل به )) ج٥ ص ٤٥٩

المقدمة الثانية العمل بها بعد موت أصحابها

لقد جرى عمل الطائفة على هذه الكتب حتى بعد موت أصحابها وما ذاك إلا بسبب تصحيح المعصومين عليهم السلام لها ويشهد على ذلك ما قاله الصدوق (( وجميع مافيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي )) الفقيه ج١ ص ٣

المقدمة الثالثة إطلاق العمل بما تحويه الكتب

بمعنى أن المعصومين عليهم السلام صححوا تلك الكتب وأمروا بالعمل بكل مافيها بلافرق بين أن يكون مافيها خبر أو فتوى

ونتيجة هذه المقدمات جواز تقليد الميت ابتداءً

ويلاحظ عليه

أولاً

هذه الروايات لاتخلو من المناقشة السندية كما يظهر بالمراجعة ماعدا الخامسة

وثانياً

على فرض التسليم بتمامية سندها فإنها لاتدل على حجية الفتوى وإنماأقصى ماتفيده صحة الروايات الموجودة في تلك الكتب ولم يحرز وجود فتاوى فيها

وثالثاً

على فرض دلالتها على وجود فتاوى في هذه الكتب والإمام أجاز العمل بها مطلقاً حتى بعد موت مؤلفيها فمن المقطوع به أن هذه الفتاوى واقعية وليست ظاهرية وذلك لنظر الإمام عليه السلام فيها وتصحيحه لها ولامعنى لأن يصحح الإمام عليه السلام أحكاماً ظاهريةً وهو مسؤل عن الأحكام الواقعية بل شأنه أن يبين الأحكام الواقعية لا الظاهرية

وبناءً على ذلك فلايمكن استفادة التعميم من خلال هذه الروايات لمن كانت فتاواه ظاهرية كما هو محل الكلام

الدليل الخامس :

السيرة العقلائية وتقريب ذلك في مقدمتين :

المقدمة الأولى :

أن العقلاء قد جرت سيرتهم على رجوع الجاهل إلى العالم بلا فرق بين كون العالم حياً أو ميتاً ولذا تجدهم يرجعون إلى العالم في النحو ولو بعد موته كالخليل الفراهيدي في كتابه العين مثلاً ويرجعون إلى العالم في الطب ولو بعد موته كابن سينا في كتاب الطب مثلاً وهكذا الحال بالنسبة لعالم الفقه

المقدمة الثانية أن هذه السيرة معاصرة للشارع المقدس

المقدمة الثالثة أن الشارع لم يردع عنها وهذا يدل على الإمضاء

ويمكن المناقشة في السيرة بعدة مناقشات :

1– المناقشة الخوئية ناقش السيرة بأمرين :

أولاً

أنها مردوع عنها بالأدلة الواردة في حجية فتوى الفقيه الظاهرة في فتوى الفقيه الحي

وثانياً

هذه السيرة لاتقتضي جواز تقليد الميت وذلك لأن العامي فضلاً عن غيره لاتخفى عليه المخالفة بين العلماء الأموات والأحياء بل بين الأموات أنفسهم ومع العلم بالمخالفة لاتشمل السيرة فتوى الميت بوجه لأن الأدلةوالسيرة لاتشمل المتعارضين

ويلاحظ عليه

أولاً

بالنقض فيقال بأنه إذا كان هذان الوجهان يصلحان للردع عن السيرة في التقليد الإبتدائي فإنهما يصلحان للردع حتى عن التقليد البقائي فلماذا لم يقل السيد الخوئي بأن السيرة مردوع عنها في التقليد البقائي بهذين الوجهين

وثانياً

لو تمت دلالة الإطلاقات على الحجية في فتوى الفقيه الحي فقط فهي لاتصلح للرادعية لأنها ليست في مقام الحصر ولا مفهوم لها فلاتنفي الحجية عن فتوى الميت وكما يقال بأن إثبات شيء لشيء لاينفيه عن غيره

وثالثاً

قبلنا بأن السيرة لاتشمل المتعارضين إلا أن ذلك غير ضار لأنه إما أن يكون الميت هو الأعلم فتكون الحجية لخصوص فتواه وإما أن يكون متساوي مع باقي الفقهاء ولايوجد أعلم فالعقلاء هنا يقولون بالحجية التخييرية ومع التشكيك في ذلك فالإحتياط ولكن هذا سيكون أخص من المدعى فإنه لايلغي حجية فتوى الفقيه الميت لو كان الأعلم

2– المناقشة الخمينية

إن جواز الأخذ بالسيرة يتوقف على ثبوت أحد أمرين إما إمضاء الشارع لها بدليل لفظي وإما عدم ردعه عنها مع كون العمل قائماً عليها ولايكفي مجرد الإرتكاز بدون الجري العملي

والدليل اللفظي غير موجود وعدم الردع غير محرز الشرط أي الجري العملي

ويلاحظ عليه

أولاً

لو قبلنا بالأمر الأول وهو فقد الدليل اللفظي ولكن لانقبل بالأمر الثاني وهو عدم إحراز الشرط أي الجري العملي بل نقول بأن الجري العملي متحقق

وثانياً

لو فرضنا عدم تحقق الجري العملي فيكفينا وجود المرتكز وهو في نفسه يحتاج للردع إذ مادام الشارع يحتمل امتداد النكتة العقلائية لأغراضه فيلزمه الرع حفظاً لملاكاته فإذا لم يردع فهذا دال على رضاه وهذا هو مبنى السيد الشهيد

٣– المناقشة الأصفهانية

أنه لايكفي في حجية السيرة عدم الردع بل لابد من إحراز الإمضاء ولاإحراز عندنا بإمضاء الشارع لهذه السيرة خصوصاً مع وجود بعض ماهو صالح للردع كالإطلاقات الدالة على حجية فتوى الفقيه الحي

ويلاحظ عليه

سلمنا بأن المدار على إحراز الإمضاء إلا أن الكلام فيما يحقق هذا الإحراز فنقول يتحقق هذا الإحراز إما بنص خاص أو بعدم الردع مع استحكام السيرة فإن السيرة حينما تكون مستحكمة ويراها الشارع تتنافى مع ملاكاته وأغراضه فلابد أن يردع عنه ويكون هذا الردع متناسباً مع حجمها وإلا يكون قد نقض غرضه وهو خلاف الحكمة إذاً فيمكننا إحراز الإمضاء بنفس عدم الردع

فهذه المناقشات غير تامة كما أفاده الحكيم السبط

الدليل السادس الإستصحاب

وقد ذكرت له عدة صياغات :

الصياغة الأولى الإستصحاب التعليقي

وهذا ما أشار له بعض الأعلام كالحكيم في المستمسك ج١ ص ١٧ وحاصله

بأن يقال لو كان هذا العامي موجوداً على قيد الحياة في زمان الشيخ الطوسي مثلاً لكانت فتوى الطوسي حجةً في حقه يقيناً فإذا شككنا في الحجية بعد موت الشيخ الطوسي ووجود العامي فعلاً أمكننا استصحاب تلك الحجية التعليقية

وأشكل على هذا الإستصحاب بعدة إشكالات منها :

الإشكال الأول :

ماذكره جماعة كالنائيني وكالسيد الخوئي وحاصله في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى القيود ترجع للموضوع لا للحكم

إن القيود المأخوذة في الحكم ترجع لا محالة للموضوع فالإستطاعة التي هي قيد لوجوب الحج ترجع في الواقع إلى موضوع وجوب الحج فيكون موضوع وجوب الحج هو المكلف المستطيع فإذا لم تتحقق الإستطاعة فينتفي موضوع وجوب الحج

المقدمة الثانية الموضوع علة لثبوت الحكم

إن ثبوت الحكم فرع ثبوت موضوعه لأن نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علته ولايمكن تحقق المعلول إلا بعد تحقق العلة فلايكفي لتحقق الحكم وجود أحد جزئي الموضوع دون الجزء الآخر

المقدمة الثالثة جريان الإستصحاب في الأحكام فرع تحقق الموضوعات

إن جريان الإستصحاب الحكمي يتوقف على اليقين بثبوت الحكم سابقاً ثم الشك فيه ولايكون هناك يقين سابق بثبوت الحكم إلا مع إحراز تحقق موضوعه في رتبة سابقة

ونتيجة هذه المقدمات نقول لامعنى لإجراء الإستصحاب التعليقي وذلك لعدم تحقق الحكم الفعلي لعدم تحقق موضوعه

وتطبيق ذلك على المقام بأن نقول إن حجية فتوى الطوسي متوقفة على وجود المكلف البالغ في حياته ومع عدم وجود المكلف البالغ في زمان الطوسي فإن موضوع الحكم وهو الحجية غير متحقق ومع عدم تحققه فلامعنى لإستصحاب الحجية إذ لايقين بها سابقاً

ويلاحظ عليه

أولاً

لا نسلم بأن القيود كلها ترجع للموضوع بل بعضها ترجع للموضوع مثل (العنب المغلي حرام ) فالغليان قيد للعنبية وبعضها ترجع للحكم مثل ( العنب إذا غلى حرم ) فالغليان هنا قيد للحرمة

وثانياً

على فرض التسليم برجوع القيود للموضوع إلا أننا نقول إن ذلك لايوجب فرقاً فعلى كل حال لايصح الإستصحاب التعليقي وذلك لعدم اليقين السابق بالحجية إما لعدم تحقق الموضوع أو لعدم تحقق الحكم فالتفصيل الذي ذكره السيد الخوئي بأنه إن قلنا برجوع القيود للموضوع فلايجري الإستصحاب وإن قلنا برجوعها للحكم فيجري محل نظر وذلك لأنه حتى مع رجوع القيود للحكم فإن الحكم لايصير فعلياً إلا بتحقق هذه القيود والقول بأنها أخذت مقدرة الوجود لاشاهد عليه فتدبر جيداً

وثالثاً

سلمنا بأن القيود ترجع للموضوع مع ذلك نقول بأنه يمكن إجراء الإستصحاب فإن المستدل لايريد أن يدعي اليقين بثبوت الحجية سابقاً بالفعل كي يشكل عليه بأنه لايقين فعلي بثبوت الحجية لفتوى الطوسي بل مدعاه هو اليقين بالحجية التقديرية وأن دليل الإستصحاب مطلق من هذه الناحية فيشمل اليقين الفعلي بثبوت الحجية واليقين التقديري بها كما يقول الآخوند

وحينئذ فينبغي المناقشة إما في شمول دليل الإستصحاب لليقين التقديري كما هو الإشكال الثالث الذي سنذكره أو المناقشة بانه لاأثر شرعي لهذا الإستصحاب وهو الإشكال الثاني الذي يأتي فلاحظ

الإشكال الثاني عدم الأثر الشرعي

وهذا الإشكال ذكره السيد السيستاني في البحث المنسوب له وحاصله في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى الأثر الشرعي للإستصحاب

لابد في جريان الإستصحاب من تحقق الركن الرابع وهو الأثر الشرعي

المقدمة الثانية مراتب الحكم

إن للحكم الشرعي مرتبتين مرتبة إنشاء ومرتبة فعلية فإذا لم يتحقق الموضوع بتمام أجزاءه فالحكم إنشائي وإذا تحقق بجميع اجزاءه صار فعلياً ولايوجد مرتبة وسط بينهما

المقدمة الثالثة الحجية التعليقية مخترع عقلي

إن الحجية المعلقة ليست مجعولاً شرعياً كي تستصحب وإنما هي مخترع عقلي وليست من مجعولات الشارع أو من مراحل الحكم إذ لم يجعل الشارع حجية معلقة

ونتيجة هذه المقدمات هو أنه لايصح جريان الإستصحاب التعليقي لعدم الأثر الشرعي

وهذا الإشكال بحسب التأمل تام وإن أوردت عليه بعض الإيرادات لكنها غير صامدة بحسب التحقيق

الإشكال الثالث عدم العرفية

وهو مايخطر في الذهن القاصر وحاصله

إن دليل الإستصحاب سواءً كان هو السيرة العقلائية كما هو الأقرب أو صحيحة زرارة الأولى فإنه محمول على النظر العرفي والإستصحاب التعليقي ليس عرفياً كإستصحاب العدم الأزلي فإن إجراء الإستصحاب على فرض وتقدير وجود الشيء سابقاً كما هو الحال بالنسبة للإستصحاب التعليقي أوإجراء الإستصحاب على فرض عدم وجود الشيء كما هو الحال بالنسبة في استصحاب العدم الأزلي غير مألوف لدى العرف وعليه نقول إن كان دليل الإستصحاب هو السيرة فهي دليل لبي لايحرز جريانه في المقام وإن كان صحيحة زرارة الأولى فهي منصرفة عماليس مألوفاً لدى العرف فلا إطلاق في الصحيحة لمحل الكلام

والحاصل أن الإستصحاب التعليقي كالعدم الأزلي من حيث عدم عرفيته فليس مشمولاً للأدلة

الإشكال الرابع المعارضة بالتنجيزي

وذلك بأن يقال إن هذا الإستصحاب معارض بأصالة عدم الحجية الثابتة قبل وجود العامي فإن هذا العامي قبل أن يوجد لم تكن فتوى الطوسي حجةً في حقه فإذا وجد نشك في كونها حجةً أم لا ؟ فنستصحب عدم الحجية

وأجيب عن هذا الإشكال بجوابين

الجواب الأول ماذكره السيد الحكيم الجد وحاصله

بأن هذا الإستصحاب التنجيزي مبني على جريان الإستصحاب في العدم الأزلي وإلافالجاري هو الإستصحاب التعليقي بلا معارض

ويلاحظ عليه

أن المعارضة لاتبتني على جريان الإستصحاب في الأعدام الأزلية وذلك لأن الإستصحاب التنجيزي ليس هو عدم الحجية قبل وجود العامي كي يقال بأنه مبني على العدم الأزلي بل هو استصحاب عدم الحجية الثابت قبل التمييز وهذا ليس من استصحاب العدم الأزلي

الجواب الثاني :

مايستفاد من مبنى النائيني من حكومة الإستصحاب التعليقي على التنجيزي بالحكومة العرفية فلاتصل النوبة للمعارضة توضيح ذلك بأن يقال بأن الشك في بقاء عدم الحجية بعد البلوغ مسبب عن الشك في أن الحجية المجعولة لفتوى الفقيه مختصة بحال الحياة أو تعم مابعد الموت فإذا استصحبنا الحجية لما بعد الموت على نحو الإستصحاب التعليقي يرتفع الشك في بقاء عدم الحجية بعد البلوغ فلاموضوع للإستصحاب التنجيزي

ويلاحظ عليه

أولاً

أن الشكين في رتبة واحدة وليس أحدهما مسبباً عن الآخر بل كلاهما مسبب عن العلم الإجمالي بأن الحجية المجعولة لفتوى الفقيه هل هي خاصة بحال الحياة أو تعم مابعد الموت فيكون موضوع المعارضة متحققاً

وثانياً

لو سلمنا السببية والمسببية فليس كل أصل سببي حاكماً على المسببي وإنما ذلك يتم لو كان المسببي من الآثار الشرعية للأصل السببي كما إذا شككنا في بقاء نجاسة الثوب وغلسناه بماء مشكوك الطهارة فإن أصالة طهارة الماء أو استصحابها يكون حاكماً على استصحاب نجاسة الثوب لكون طهارة الثوب من الآثار الشرعية لطهارة الماء بخلاف المقام فإن عدم حجية فتوى الفقيه الميت لما بعد بلوغ المكلف ليس من الآثار الشرعية لحجية فتواه لما بعد موته حتى ترتفع بثبوت هذه الحجية التعليقية بالإستصحاب

الصياغة الثانية استصحاب كلي الحجية

وهذا ما أشار له السيد الحكيم في المستمسك وذكره السيد السيستاني وحاصله في مقدمتين :

المقدمة الأولى أنه لايمكن استصحاب شخص الحجية لفتوى الطوسي لأنها قد انتفت بموت العوام في زمانه

المقدمة الثانية يمكننا بأن نستصحب كلي الحجية لفتوى الطوسي وذلك بأن نقول إن فتوى الطوسي كانت حجةً بالنسبة للموجودين في زمانه وقد انتفت بإنتفائهم إلا أننا نشك في بقاء كلي الحجية لأننا نحتمل أنهاتحققت في فرد جديد أثناء ارتفاعها عن الفرد السابق فنحتمل أن الفرد الجديد من الحجية تحقق في زمان ارتفاع الفرد الأول وهذا هو النوع الأول من استصحاب الكلي القسم الثالث أو نحتمل أن الفرد الجديد تحقق في زمان وجود الفرد الأول وهذا هو النوع الثاني من استصحاب الكلي القسم الثالث

وأجاب السيد السيستاني عن ذلك بأن هذا مبني على القول بجريان الإستصحاب في الكلي القسم الثالث ولا نقول به

وهذا الإشكال تام

الصياغة الثالثة استصحاب الحجية الإنشائية

وقد أشار لهذه الصياغة كل الأعلام الذين تطرقوا للإستدلال بالإستصحاب وحاصل كلامهم في مقدمتين :

المقدمة الأولى لاشك بأن فتوى الطوسي كانت حجةً على المكلفين في أيام حياته بمقتضى الأدلة

المقدمة الثانية لو شككنا في بقاء هذه الحجية المنشأة للشك في سعتها وأنها هل تختص بالموجودين في أيام الطوسي أو تشمل حتى المعدومين في زمانه فيمكننا استصحابها وإثبات شمولها لمن يأتي بعد زمانه

ونتيجة ذلك ثبوت الحجية لفتوى الطوسي في هذا الزمن فيجوز تقليده ابتداءً

وقد أشكل على هذه الصياغة بعدة إشكالات :

الإشكال الأول :

ما أشكل به جماعة كالوحيد البهبهاني والآخوند وحاصله في مقدمتين :

المقدمة الأولى إن الركن الثالث من أركان الإستصحاب هو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة

المقدمة الثانية إن هذا الركن غير متحقق في المقام وذلك لأن القضية المتيقنة هي حجية رأي الطوسي المعلوم والمتحقق فعلاً وأما القضية المشكوكة فهي حجية رأي الطوسي الغير المعلوم وذلك لإحتمال تبدل رأيه بعد موته لأجل انكشاف الواقع بالخلاف أو لإحتمال عدم وجود رأي له بعد موته إما لشدة النزع أو غير ذلك

إذاً فالماهية ( الرأي ) محرزة الوجود في القضية المتيقنة ولكنها مقطوعة العدم أو مشكوكة الوجود في القضية المشكوكة وبالتالي لم تتحد القضيتان في الموضوع ليجري الإستصحاب فلابد من وجود الرأي حدوثاً وبقاءً لجريان الإستصحاب ويؤكد ذلك أنه لو تبدل الرأي السابق للفقيه أو تردد فيه فإنه يسقط عن الحجية وهذا شاهد على اعتبار بقاء الرأي في بقاء الحجية

وأجيب عن هذا الإشكال بأجوبة منها :

الجواب الأول ماذكره السيد الإمام وحاصله

أن المناط في حجية فتوى الفقيه هو أماريتها وطريقيتها للواقع ويكفي في هذه الأمارية مجرد الوجودالحدوثي لرأي الفقيه بلاحاجة لوجوده البقائي ولاتزول هذه الطريقية إلا بتجدد رأيه أو الترديد فيه وإلا فهو باق على طريقيته للواقع سواءً كان صاحب الرأي حياً أو ميتاً فإذا شككنا في جواز العمل به من حيث احتمال دخالة الحياة شرعاً في جوازه أمكننا استصحاب ذلك

ويلاحظ عليه

أولاً بالنقض

إن لازم ما أفاده من كون المناط في حجية فتوى الفقيه هو أماريتها وطريقيتها للواقع هو بقاء هذه الحجية حتى بعد فسقه وجنونه وقلة ضبطه لأن طروء هذه الأمور على الفقيه لاترفع أمارية رأيه السابق مع أنه لا أحد يلتزم بذلك

وثانياً بالحل

أنه ليس المناط في حجية الفتوى هو مجرد كونها أمارة لتدور الحجية مدارها بل المناط على الأمارية التي اعتبرها الشارع لا الأمارية العقلائية ولذا نجد الشارع قد اعتبر في أمارية فتوى الفقيه شروطاً لايعتبرها العقلاء كالعدالة والإيمان و طهارة المولد وعدم طرو الجنون أو تبدل الرأي وحينئذ نقول لابد من البحث هل الشارع يعتبر بقاء الرأي مطلقاً بحيث لو تبدل الرأي ولو بسبب الموت يسقط عن الحجية أم لا يعتبر ذلك ؟ أما مجرد الأمارية فإنها لاتحل الإشكالية

الجواب الثاني ماذكره السيد الخوئي وحاصله في مقدمات ثلاث :

المقدمة الأولى :

إن الموضوعات التي أخذها الشارع في أحكامه على قسمين :

القسم الأول هي التي يكفي مجرد حدوثها لترتب الحكم الشرع عليها من قبيل عدم جواز الصلاة خلف المحدود

القسم الثاني هي التي لابد من حدوثها وبقائها لترتب الحكم الشرعي عليها من قبيل عدم جواز الصلاة خلف الفاسق

المقدمة الثانية :

لا مانع من أن تكون فتوى المجتهد من قبيل القسم الأول كالرواية والشهادة فيكون حدوثها كافياً لترتب الحكم عليها ولايشترط بقائها

المقدمة الثالثة :

إن ما التزم به الأعلام من عدم جواز تقليد من زال عنه الرأي بالتبدل او بعروض الجنون والهرم فليس لنص خاص يدل على اعتباربقاء الرأي للفقيه وإنما هو للإجماع المحقق على عدم جواز تقليد من طرأ عليه الجنون والفسق أو للقطع بعدم رضا الشارع بزعامة المجنون أو من التحق بالصبي للهرم أو النسيان

ونتيجة ذلك أن الركن الثالث وهو اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة متحقق في المقام لعدم اعتبار بقاء رأي الفقيه وبالتالي يصح الإستصحاب

ويلاحظ عليه

أنه ليس الكلام في عدم المانع من أن تكون حجية الفتوى بمجرد حدوثها وإنما الكلام في أنه ماهو المعتبر شرعاً ؟ فإن كان المعتبر هو مجرد الحدوث فيصح الإستدلال بالإستصحاب وإن كان المعتبر هو الحدوث والبقاء فلايصح الإستدلال به لعدم إحراز الموضوع أو لعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة

ومع الشك فلايصح الإستدلال أيضاً لأنه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لدليله فتأمل جيداً

ومجرد التنظير بالرواية والشهادة لايصلح دليلاً إذ لعل المعتبر شرعاً في الفتوى هو الحدوث والبقاء

الجواب الثالث ماذكره السيد السيستاني في البحث المنسوب له وحاصله

أولاً

لا دليل على اعتبار بقاء رأي الفقيه لبقاء حجيته فإن مجرد سقوط حجية الفتوى بتبدل الرأي أو بالتردد أو بزوال الملكة لايدل على اعتبار بقاء الرأي بل أقصى ذلك هو أن تكون حجية فتواه مشروطة بعدم التعقب برأي آخر أو بعدم التردد

وثانياً

على فرض التسليم بإعتبار بقاء الرأي فمع ذلك يمكننا الإستصحاب فإن استصحاب حجية الفتوى يصح سواءً كان منشأ الشك في الحجية هو الشك في بقاء المحمول أي الحجية أو في بقاء الموضوع و المحمول أي الرأي والحجية

ويلاحظ عليه
أولاً

بالنسبة لماذكره في الأمر الأول فإن أصحاب هذا الإشكال كالوحيد البهبهاني والآخوند يقولون بأن الفقيه بعد موته إما لا رأي له أو تبدل رأيه قطعاً ولو في بعض الموارد وبالتالي يكون رأيه السابق إما لاوجود له أو قد تعقب برأي مغاير فيعود الإشكال

وثانياً

بالنسبة لماذكره في الأمر الثاني فنقول بعد التسليم بأن الرأي معتبر حدوثاً وبقاءً لامعنى لجريان الإستصحاب وذلك لعدم تحقق الركن الثالث في النظر العرفي

الجواب الرابع وهو مايخطر في الذهن القاصر وحاصله

أن يقال بأننا حتى لو سلمنا بأن حجية رأي الفقيه تتوقف على وجوده حدوثاً وبقاء فإن ذلك متحقق لأن المقصود من بقاء رأيه يعني بقاءه أثناء حياته ولا ربط لنا بآراءه بعد الموت فلذلك نقول بأننا على يقين من حجية رأي الطوسي قبل موته ونشك في بقاء هذه الحجية بعد موته لنفس رأيه الذي مات وهو يعتقد به فنستصحب بقاء الحجية وإن قطعنا بتبدل رأيه بعد موته لأن رأيه الذي اعتبره الشارع حجةً هو رأيه في حياته فتأمل

الإشكال الثاني :

ما أشكل به بعض الأعلام كالسيد الخوئي وحاصله في مقدمتين :

المقدمة الأولى :

إن هناك فرقاً بين الحكم الإنشائي والحكم الفعلي فالحكم الإنشائي ليس له طولية واستمراربلحاظ الزمان بخلاف الحكم الفعلي فإن له استمرارً زمانياً فالحكم الإنشائي آني وهذا الحكم الآني إما قد جعل ضيقاً أو وسيعاً فمع الشك في سعة الجعل نأخذ بالقدر المتيقن وهو الأقل وبالنسبة للزائد فالأصل عدمه

ولذلك منعنا جريان الإستصحاب في أحكام الشرائع السابقة وعدم النسخ في الشريعة المقدسة لرجوع الشك إلى سعة جعل الحكم وضيقه

المقدمة الثانية :

لامعنى لإستصحاب الحجية المنشأة لفتوى الفقيه وذلك للشك في سعتها وضيقها وعدم العلم بأن الشارع قد جعلها على خصوص من أدرك المجتهد وهو حي أو تعم من لم يدركه

وأجيب عن هذا الإشكال بعدة أجوبة :

الجواب الأول ما أجاب به السيد الإمام وحاصله

بأن حقيقة الجعل الشرعي والإرادة التشريعية كالإرادة التقنينية بين العقلاء فكما أن الإرادة التقنينية الدارجة في أقطار العالم عبارة عن جعل حكم واحد على عنوان كلي مثل عنوان الناس والمالك وهو بهذا الإعتبار حجة على مصاديق هذا العنوان مدى الدهور سواءً كانوا موجودين أم لا من دون جعل مستقل أو إرادة مستقلة فهكذا الجعل التشريعي ولذا لو شككنا في طرو النسخ على هذا الحكم بعد قرن كان علينا استصحابه فليس المجعول على الموجودين حال التشريع مغايراً لما هو المجعول على الموجودين بعده بل هو جعل واحد

وبالجملة جواز رجوع الناس أو كل من له التقليد على المجتهد الفلاني كتعلق وجوب الحج على عنوان من استطاع فكما يجوز استصحابه عند طرو الشك هكذا ذاك بلا تفاوت

ويلاحظ عليه

أنه ليس الكلام في أن الجعل والإرادة واحدة أو أنها متعددة كي يقال بأنها واحدة على مدى الدهور وإنما الكلام في أن هذه الإرادة الواحدة إما قد جعلها الشارع ضيقة أي مختصة بمن أدرك الطوسي في حياته أو وسيعة بحيث تشمل المعدومين في حياته وهذه الإرادة بما هي كذلك لاتمتد بلحاظ الزمان لأنها آنية فلامعنى لإستصحابها وذلك لأن الإستصحاب إنما يجري في الأمور التدريجية الزمانية لا الآنية الدفعية

الجواب الثاني ماذكره السيد السيستاني في البحث المنسوب له وحاصله

بأنه حتى لو فرضنا أن الحجية المنشأة آنية فإن العقلاء يرون للحكم المجعول بقاءً وامتداداً بلا عناية وتجوز ولذا يقال (( حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة )) وليس التعبير بالإمتداد مجرد تعبير أدبي بل من الأمور الواقعية والشارع سيد العقلاء فهو يجري على طريقتهم وبالتالي يمكن استصحاب الحجية المجعولة

وهذا الجواب يحتاج إلى إضافة وهي أن يقال بأن هناك فرقاً بين الإنشاء والمنشأ فالإنشاء هو الآني الدفعي الذي لايقبل الإستصحاب وأما المنشأ فهو قابل للإستصحاب ونحن نستصحب هذه الحجية المنشأة وهي بالنظر العقلائي قابلة للإمتداد وللإستمرار

الإشكال الثالثماذكره الحكيم الجد في المستمسك وحاصله

بأنه لا مجال لإستصحاب الحجية وذلك لعدم كون الحجية ذا أثر شرعي أو موضوع لأثر شرعي وذلك لأن استصحابها يتوقف على كونها متأصلة في الجعل بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها وتترتب عليها آثارها عقلاً من صحة اعتذار كل من المولى والعبد بها لكنه غير ظاهر بل الظاهر أنها منتزعة من الحكم الظاهري الراجع إلى الأمر بالعمل بالواقع على تقدير المصادفة نظير الأمر بالإحتياط في بعض موارد الشك وإلى لترخيص على تقدير المخالفة فإن ذلك هو منشأ صحة الإعتذار والإحتجاج فالحجية نظير الوجوب والحرمة المنتزعين من مقام الإرادة والكراهة ولايصح اعتبارهما من مجرد جعلهما مع قطع النظر عن الإرادة والكراهة

ويلاحظ عليه

أولاً

إنه وإن لم يرد عنوان الحجية في النصوص إلا أن المتفاهم العرفي من الإرجاع للفقيه والأمر بالأخذ عنه هو الإرشاد لحجية فتواه فالمجعول الحقيقي هو ذات الحجية وليست الحجية أمراً انتزاعياً

وثانياً

حتى لو فرضنا الحجية أمراً انتزاعياً مع ذلك يصح استصحابها وذلك لأنها منتزعة من ذات الجعل الشرعي وليست منتزعاً ومخترعاً عقلياً فتفطن

الإشكال الرابع ماذكره الحكيم في المستمسك والإمام الخميني وحاصله

إن المحتملات في هذه الحجية المستصحبة خمسة وكلها غير تامة :

الأول أن يراد بالإستصحاب استصحاب الحجية العقلائية فهي أمر غير قابل للإستصحاب

الثاني أن يراد استصحاب الحجية الشرعية فهي غير قابلة للجعل

الثالث أن يراد استصحاب جواز العمل على طبق قول الفقيه فلادليل على جواز الجعل الشرعي بل الظاهر من مجموع الأدلة هو تنفيذ الأمر الإرتكازي العقلائي فليس في الباب دليل جامع لشرائط الحجية يدل على تأسيس الشرع جواز العمل أو وجوبه على رأي المجتهد

الرابع أن يراد استصحاب الأحكام الواقعية فلاشك في بقائها

الخامس أن يراد استصحاب الأحكام الظاهرية بدعوى كونها مجعولة عقيب رأي المجتهد فهو ممنوع لعدم الدليل على جعل حكم مماثل

وبالجملة لابد في جريان الإستصحاب من حكم أو موضوع ذي حكم وليس في المقام شيء من ذلك

أما الحكم فلعدم تطرق جعل وتأسيس من الشارع وأما مالدى العقلاء من حجية قول أهل الخبرة فلعدم كونه موضوعاً لحكم شرعي بل هو أمر عقلائي يتنجز به الواقع بعد عدم ردع الشارع عنه وأما إمضاء الشارع وارتضاءه فليس حكماً شرعياً كي يستصحب

ويلاحظ عليه

أولاً

إن الحجية أمر يمكن للشارع جعله إذ ليس مقصودنا من الحجية هي الحجية العقلية كي يقال بأن يد الشارع لاتصل إليها وإنما مقصودنا الحجية التعبدية

وثانياً

إن نفس إمضاء الشارع لما عليه العقلاء من الرجوع للعالم والخبير وإن لم يكن في حد ذاته حكماً شرعياً إلا أنه طريق يستكشف منه حكم شرعي فمن إمضاء الشارع يستكشف الجواز أو الحجية وهذا يصلح للإستصحاب

ومقصودنا من خلال هذين الأمرين أن نقول بأن المحتمل الثاني الذي أنكره ممكن بل واقع

الإشكال الخامس ما أشار له السيد الإمام وحاصله

بأن استصحاب جواز التقليد إن كان بنحو القضية الخارجية بمعنى أن كل مكلف كان موجوداً في زمانه جاز له الرجوع إليه فلايفيد بالنسبة إلى الموجودين بعد حياته

وإن كان بنحو القضية الحقيقية فإن أريد إجراء الإستصحاب التنجيزي فلايمكن لعدم ادراك المتأخرين زمان حياته فلايقين بالنسبة اليهم

وإن كان بنحو التعليق فهو محل منع

وأجاب عنه

بأن جعل الأحكام للعناوين على نحو القضية الحقيقية لايعني أن لكل فرد حكماً برأسه بل هو حكم واحد لعنوان واحد لكنه ينحل بحكم العقل والعقلاء على كل من كان مصداقاً مثل قوله تعالى (( ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا )) فليس هو الا جعلاً واحداً لعنوان واحد وهو من استطاع ولكنه حجة على كل مكلف مستطيع فحينئذ لو علمنا بأن الحج كان واجباً على من استطاع اليه سبيلا وشككنا في بقائه من أجل طرو النسخ مثلاً فلا إشكال في جريان استصحاب الحكم المتعلق بالعنوان لنفس ذلك العنوان فيصير بحكم الإستصحاب حجة على كل من كان مصداقه والسر هو أن الحكم على العنوان حجة على المعنونات فإستصحاب وجوب الحج على عنوان المستطيع جار بلا إشكال كإستصحاب جواز رجوع كل مقلد الى المجتهد الفلاني

ويلاحظ عليه

أولاً

إن إرجاع الإنحلال إلى مرتبة الفعلية دون مرتبة الجعل لايعالج المشكلة وذلك لأنه حتى الإنحلال في مرتبة الفعلية ملحوظ من قبل الشارع ولو لأنه يجري على الطريقة العقلائية والقانونية التي تلحظ الإنحلال في مرتبة الفعلية فيعود الإشكال وهو عدم اليقين السابق بثبوت الحكم الفعلي لحجية فتوى الطوسي بالنسبة للمعدوم في زمانه

فتأمل

وثانياً

حتى لو سلمنا بأن هذا الإنحلال عقلي وليس شرعياً كماهو ليس ببعيد

إلا أنه يبقى إشكال المثبتية فإن استصحاب الحكم الإنشائي الحقيقي لايثبت حجية فتوى الطوسي في حق العامي المعدوم في زمانه إلا بنحو الأصل المثبت وهذا هو الإشكال الذي سيأتي فارتقب

الإشكال السادس ماذكره بعض الأعلام كالسيد السيستاني في البحث المنسوب له وحاصله

بأن هذا الإستصحاب من الأصل المثبت بتقريب أن استصحاب الحكم الإنشائي وهو حجية فتوى الفقيه بعد موته لايثبت حجية فتوى الطوسي بالفعل إلا بالأصل المثبت وبكلمة ثانية إن استصحاب الأحكام الكلية مع التطبيق على موضوعاتها واستكشاف الحكم الفعلي من ذلك مبتن على الأصل المثبت لأن حجية فتوى الفقيه أخذت على نحو الإنحلال لكل فرد فرد فإستصحاب الحجية الكلية للطبيعي لايثبت حجية فتوى الطوسي إلا بالأصل المثبت واستصحاب حجية فتوى الطوسي بالخصوص لم يعلم ثبوتها في حق من لم يكن موجوداً في حياته

حتى تستصحب

ويلاحظ عليه

مايستفاد من كلمات الشهيد الصدر وهو أنه بعدما فرضنا وجود اعتبار عقلائي وصياغة عرفية للحكم بشكل مستمر في مقام إيصال المولى مراداته إلى المكلفين فلسنا بحاجة إلى إثبات شيء وراء نفس الجعل في مقام التنجيز لأنه يكفي وصول الكبرى والصغرى في ترتب المنجزية والمعذرية وليس هذا من الأصل المثبت بل هو من لوازم دليل الإستصحاب

الإشكال السابع ما أشار له الحكيم السبط وحاصله

بأن القدر المتيقن من حجية رأي الفقيه هو حجيته في الوقائع المقارنة لحياته لا مطلقاً بنحو يعم الوقائع المتأخرة عن موته لعدم صحة انتزاع الحجية إلا بلحاظ مقام العمل فمع عدم الإبتلاء بالواقعة لايصح انتزاع الحجية بالإضافة إليها وليست حجيته بنحو الإطلاق إلا بنحو القضية الحقيقية الراجعة إلى أن كل واقعة لو وقعت لكان رأيه حجة فيها فليست حجيته المتيقنة في الوقائع المتأخرة إلا تعليقية ولايجري الإستصحاب في القضايا التعليقية غير الفعلية

وأجاب عنه :

أولا

المرتكز على كون الحجية من عوارض الحجة المستمرة لها في جميع الوقائع وأن مصحح انتزاعها هو معرضية المكلف للإبتلاء بمؤداها وصلوحه للخطاب به لا أنها من الأمور الإنحلالية على حسب الوقائع الفعلية بحيث تكون كل واقعة مقومة لها ومأخوذة قيداً فيها ليكون المشكوك مبايناً للمتيقن فهي نظير الولاية لايصح انتزاعها الا بلحاظ التصرف في المولى عليه الا أنه يكفي في صحة انتزاعها تعرض الشيء للتصرف وصلوحه له

نعم الظاهر اختصاص الإستصحاب المذكور بمن تمت له شرائط التكليف العامة في حياة المفتي وكانت الفتوى متيقنة سابقاً في حقه دون غيره كالصبي فضلاً عمن كان معدوماً في حياته لوضوح عدم حجية الفتوى في حقهم بل هي مشروطة بتمامية شروط التكليف لعدم صحة انتزاع الحجية ارتكازاً إلا مع كون من قامت عليه الحجة معرضاً للتكليف وصالحاً للخطاب

وجوابه تام إلا أنه مااستثناه أخيراً غير تام فإن المرتكز على صحة انتزاع الحجية لمطلق من كان صالحاً لقيام الحجة عليه ولو مستقبلاً

والمتحصل عدم ورود هذه الإشكالات السبعة على الصياغة الثالثة

فهي تامة لولا إشكالان مبنائيان وهما عدم جريان الإستصحاب في الشبهات الحكمية ولو فرضنا جريانه فلايجري مع كون الشك في المقتضي كما هو في المقام فلاحظ

الصياغة الرابعة استصحاب الحكم الواقعي

وهذا ماذكره بعض الأعاظم كالسيد الحكيم والخوئي وحاصله

أن يقال بأن السورة كانت واجبةً واقعاً حال حياة الفقيه فإذا شككنا في بقاء وجوبها بعد موته نستصحب الوجوب الواقعي

وأجيب عن ذلك بجوابين :

الجواب الأول ما أفاده الحكيم الجد وسبطه وحاصله

في مقدمتين :

المقدمة الأولىإن من أركان الإستصحاب اليقين بالحدوث والشك في البقاء

المقدمة الثانية إن كلا هذين الركنين غير متحققين في المقام

أما الركن الأول وهو اليقين بالحدوث فلعدم اليقين الوجداني أوالتعبدي بثبوت الحكم الواقعي في زمان حياة الفقيه

أما الوجداني فواضح لإحتمال الخطأ وأما التعبدي فلأجل عدم الحجية في فتوى الفقيه الميت بعد موته لإنحصار الطريق في حجيتها بفتوى الميت نفسه والمفروض الشك في حجيتها بعد موته وإلا يلزم الدور

وأما الثاني وهو الشك في البقاء فإنتفاؤه أظهر للعلم بثبوت الحكم الواقعي على تقدير حدوثه وإنما الشك في أصل ثبوته لاغير وبالتالي لاشك في البقاء

الجواب الثاني ماذكره السيد الخوئي وحاصله

بأنه لايقين من حدوث المستصحب حين مايشك في بقائه وارتفاعه فلو أفتى المجتهد بنجاسة العصير العنبي بالغليان وشككنا فيها بعد موته للشك في حجية فتواه بعد الممات لم يكن لنا يقين وجداني لدى الشك من ثبوت النجاسة للعصير بالغليان حال حياة المجتهد وهذا أمر ظاهر لايحتاج للبيان

كما لايقين تعبدي بنجاسته للشك في حجية فتوى الميت بعد موته وحيث إنه شك سار لإحتمال انقطاع حجية فتواه وطريقيتها بالممات فلاطريق لنا بالفعل إلى استكشاف نجاسة العصير بالغليان حتى نستصحبها إذا شككنا في بقائها وارتفاعها

وكلا هذين الجوابين تام فهذه الصياغة غير تامة لإثبات جواز تقليد الميت ابتداءً

الصياغة الخامسة استصحاب الحكم الظاهري

كما أشار لذلك بعض الأعلام كالحكيم الجد وحاصله

بأن يقال كانت السورة واجبةً ظاهراً حال حياة الفقيه فهي باقية على وجوبها الظاهري

ويمكن الجواب عن ذلك بالتالي :

أولاً

بأنه مبني على جعل الأحكام الظاهرية المماثلة لمؤديات الطرق وهو غير تام

وثانياً

بأنه لايتم في الأحكام الكلية التي لم يتم موضوعها في حياة المفتي وإنما يفتي بها بنحو القضية الحقيقية لرجوعها إلى قضية تعليقية فترجع هذه الصياغة إلى الصياغة الأولى وهي الإستصحاب التعليقي وقد سبق مناقشة هذه الصياغة

والمتحصل عدم تمامية هذه الصياغة لإثبات جواز تقليد الميت ابتداءً

بحمد الله وفضله تم الفراغ من هذا البحث

وخلاصة ماتقدم هو أنه توجد خمسة وجوه لعدم جواز تقليد الميت ابتداءً وقد أجبنا عنها جميعاً

وتوجد ستة وجوه لجواز ذلك تم منها دليل واحد فقط وهو السيرة العقلائية

فالنتيجة هي أن مااختاره الإخباريون وبعض الأصوليين كالفاضل التوني والمحقق القمي والمقدس الأردبيلي

من جواز تقليد الميت ابتداءً هو الأوفق بالأدلة والله أعلم بالحقائق

أما تقليد الميت بقاءً فلاحاجة لبحثه فإن النتيجة واحدة وهي قيام السيرة على الرجوع للميت ابتداءً وبقاءً

بقلم حسن عبد الله الهودار

1435 قم المقدسة

شاهد أيضاً

بحث حول غيبة المخالف – بقلم الشيخ حسن عبد الله الهودار  

غيبة المخالف يمكن أن نطرح  في هذا البحث عدة نقاط : النقطة الأولى : تاريخ المسألة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.